الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

درجة حديث: إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم

السؤال

ما صحة حديث: "إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم القائم"؟
وما حكم من قال: "إن الكافر يجوز له أن يبقى على دينه بشرط أن يؤمن أن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رسول من عند الله"، ثم تمم قوله بأنه يعلم أن أهل السنة سوف يكفرونه؟ وهو رجل تتبعه الملايين.
أفتونا -جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فهذا الحديث رواه أبو داود، وأحمد، من حديث عائشة قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم". وصححه الألباني.
ونحوه حديث عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن المسلم المسدَّد، ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله -عز وجل-؛ لكرم ضريبته وحسن خلقه" رواه أحمد، وصححه الألباني. وضريبته: أي طبيعته وسجيته، كما في (النهاية).
وعن أنس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنه لضعيف العبادة، وإنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل جهنم وهو عابد. رواه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة، وقال: إسناده حسن. اهـ. وقال العراقي في تخريج الإحياء: أخرجه الطبراني، والخرائطي في مكارم الأخلاق، وأبو الشيخ في كتاب مكارم الأخلاق، وأبو الشيخ في كتاب طبقات الأصبهانيين، من حديث أنس بإسناد جيد. اهـ.
وألفاظ (المؤمن) و (المسلم) و (العابد) الواردة في هذه الأحاديث مفهومها معتبر، بمعنى أن غير المسلم لا ينفعه حسن خلقه إلا في الدنيا، وأما في الآخرة فلا، كما قال تعالى: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا {الفرقان:23} وثبت في صحيح مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قلت: يا رسول الله، ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم ويطعم المسكين، فهل ذاك نافعه؟ قال: "لا ينفعه إنه لم يقل يومًا: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين". وراجع في ذلك الفتويين: 56735، 114257.
وأما القول بجواز بقاء غير المسلم على دينه بشرط الإيمان بأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- رسول من عند الله: فهذا لا يقوله إلا جهول ضال منحرف؛ فإن من نواقض الإسلام المشهورة: اعتقاد المرء أنه يسعه التدين بغير دين الإسلام، والخروج عن شريعة محمد -عليه الصلاة والسلام-، ولذلك ذكر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب في نواقض الإسلام: الناقض التاسع: من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]. اهـ.
وجاء في (فتاوى اللجنة الدائمة): من اعتقد أن هناك أحدًا يسعه الخروج عن اتباع شريعة محمد -صلى الله عليه وسلم- فهو كافر كفرًا يخرج من ملة الإسلام، وشريعته هي القرآن الذي أوحاه الله إليه، قال تعالى: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا} ومن الشريعة: السنة النبوية التي هي تبيين وتفصيل للقرآن، قال تعالى: {وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون}. اهـ.
وقال الدكتور محمد بن خليفة التميمي في كتابه (حقوق النبي -صلى الله عليه وسلم- على أمته في ضوء الكتاب والسنة) في ذكر نواقض الإيمان بالنبي -صلى الله عليه وسلم-: اعتقاد الإنسان أنه يسعه الخروج عن شريعة النبي -صلى الله عليه وسلم-. ولهذا الأمر صورتان:

ـ الأولى: أن لا يرى وجوب تصديق الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ولا وجوب طاعته فيما أمر به، وإن اعتقد مع ذلك أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- عظيم القدر علمًا وعملًا، وأنه يجوز تصديقه وطاعته، ولكنه يقول: إنه لا يضر اختلاف الملل إذا كان المعبود واحدًا. ويرى أنه تحصل النجاة والسعادة بمتابعة الرسول وبغير متابعته، وهذا هو قول الفلاسفة والصابئة. وهذا القول لا ريب في كفر صاحبه؛ "فمن نواقض الإسلام أن يعتقد الإنسان عدم كفر المشركين ويرى صحة مذهبهم، أو يشك في كفرهم". وهذا القول هو الذي ينادي به في وقتنا الحاضر من يدعون إلى وحدة الأديان، ويروج لهم في ذلك الماسونية اليهودية ... اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني