الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب الإحسان للوالدين والتوبة من عقوقهما

السؤال

أنا طالبة طب في السنة الأولى وعمري 18 سنة، عانيت الكثير والمرير في حياتي منذ الطفولة، وأنا في صراع عائلي نفسي واجتماعي، كبرت وانتهت طفولتي وأنا في صراع عائلي أثّر على نفسيتي وعلى مستقبلي غداً كأم، وقد رفضت أكثر من شخص تقدم لخطبتي لأنني كرهت الرجال وأخاف أن أعيش مع رجل كأبي مرة أخرى: بعدما كبرت وأصبحت مراهقة تمردت تلك الطفلة على بيئتها وحياتها كفتاة مضطهدة فضُربتْ واتهمت في شرفي وأنا طفلة، لكنني كافحت لأنني أملك أما طيبة، لكن مع تأزم الوضع أصبحت فتاة معقدة واتهمت بعقوق الوالدين، وهذا سبب سؤالي لأنني أصبحت كلما دعا علي والدي دعوت عليه في وجهه، وكلما صفعني قاومته، وكلما تكلم بكلمة رددتها عشراً، وأصبحت أضرب أمي وأسبها وفعلت كل فعل وكل معصية، وأنا لست راضية عنها، لأنني مجبرة، وكطالبة طب لأي شخص في مكاني يمكنني أن أشخص حالته بأنه غير مدرك لما يقوم به، لأنه تحت ضغط نفسي جم، ولكن لا أدري ماذا أنا عليه عند الله؟ وهل أنا عاقة أم لا؟ بدأت بالرجوع مرة أخرى لذاتي ومقاومة أفعالي مع والدي، لكنني كلما ظننت أنني نلت رضاهم وقعت مرة أخرى، وأصبح نُطقي غير سليم حاولت مع أمي أن أستشير طبيباً نفسياً لكن لا جدوى، فأبي لا يقيم حدود الله من فروض وعقائد، فهل إذا جادلته في معتقداته أكسب ذنبا؟ وهل أنا على ما فعلت آثمة؟ وهل عققت والدي؟ أنا فتاة تحمل بين يديها رسالة عظيمة، فكيف أحمل هذه الرسالة وأنا عاقة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان أبوك أساء إليك وظلمك، أو كان لا يقيم حدود الله، فليس هذا مسوّغاً لعقوقه، فحق الوالدين عظيم ولو أساءا أعظم الإساءة، فقد أمر الله بالمصاحبة بالمعروف للوالدين المشركين اللذين يأمران ولدهما بالشرك، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 103139، 101410، 68850.

وإذا كان هذا الحكم مع الأب المسيء، فكيف بالأمّ التي تصفينها بأنها طيبة، ثم تذكرين أنّك تضربينها!! فأي عقوق أشد من هذا العقوق؟ وأي إساءة أعظم من تلك الإساءة؟ فالواجب عليك المبادرة بالتوبة إلى الله مما وقعت فيه من عقوق والديك، فإنه من أعظم الذنوب ومن أكبر الكبائر، والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنب والندم على فعله والعزم على عدم العود، وطلب العفو من الوالدين، واجتهدي في برهما، واحذري من الإساءة إليهما برفع الصوت عليهما أو إغلاظ الكلام لهما، واحرصي على مخاطبتهما بالأدب والرفق والتواضع والتوقير، قال تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا {الإسراء: 23ـ 24}.

قال القرطبي: وقل لهما قولا كريما ـ أي لينا لطيفا مثل: يا أبتاه، ويا أمّاه، من غير أن يسميهما ويكنيهما، قال عطاء: وقال بن البداح التجيبي: قلت لسعيد بن المسيب: كل ما في القرآن من بر الوالدين قد عرفته إلا قوله: وقل لهما قولا كريما ـ ما هذا القول الكريم؟ قال ابن المسيب: قول العبد المذنب للسيد الفظ الغليظ.

وأما قولك إنك مجبرة على هذه التصرفات: فلا نسلمه لك، فما دام عقلك ثابتاً فأنت مسئولة عن تصرفاتك، ولا تسقط عنك المسئولية إلا إذا كنت مسلوبة الإرادة كالمجنون، والظاهر من سؤالك خلاف ذلك، فجاهدي نفسك واستعيني بالله على الصبر وحسن الخلق عامة ومع الأبوين خاصة، فإنّ الأخلاق تكتسب بالتعود والتمرين، فعن أبي الدرداء قال: العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه. رواه الخطيب في تاريخه.

وللفائدة ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني