الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مدى جواز العمل بقول القائلين بطهارة الكحول

السؤال

أود أن أطرح مشكلتي مع الوسواس القهري، وأتمنى بعد الله أجد الحل لديكم:
بداية أنا فتاة كنت أستخدم مستحضرات التجميل والتنظيف بجميع أنواعها وأشكالها، ومرة من المرات بالصدفة قرأت لديكم في مركز الفتوى أن هذه المستحضرات إذا كانت تحتوي على كحول مسكر فهي نجسة كالخمر؛ فأصبت بإحباط، وذهبت للبحث في الإنترنت عن هذه المسألة، وتبين لي أنها مسألة خلافية بين العلماء، وهي: طهارة الخمر أم نجاسته. فتكافأت الأقوال والأدلة لديّ، ولم أعلم أي القول أتبع! فأخذت بالأحوط وهو النجاسة خروجًا من الخلاف، واستغنيت عن المستحضرات التي تحتوي على كحول مسكر، واستمررت على ذلك شهرًا، ولكني شعرت بالحرج؛ لأن بعض الكحول الموجود في مستحضراتي تضاربت الأقوال حولها؛ فمنهم من يقول مسكر، ومنهم لا، غير أن جميع المستحضرات التي لدي، والتي في الأسواق أيضًا من مكوناتها (عطر)، وقرأت مرة أن أحد الإخوة قام بالاتصال على شركتين من الشركات المصنعة للمستحضرات، وسألهم عن مكون (عطر) هل يحتوي على كحول مسكر أم لا؟ فأجابوه بأن المستحضر لا يوجد به كحول مسكر، ولكن مكون (عطر) العطر هذا به كحول مسكر. وانظروا السؤال هنا 219427 مما جعلني أتأكد أن سائر المستحضرات نفس الشيء، فوقعت في حرج؛ حيث إنني لا أستطيع التحرز عنها، ولا يوجد بديل عنها إلا مثلها، خصوصًا مكون (عطر) فهو موجود في كل المستحضرات دون استثناء، وأهلي في المنزل يستخدمون هذه المستحضرات، وعندما أردت ان أبني على الأصل، وهو طهارة هذه المستحضرات، دخلت في دوامة: إلى متى سوف أبني على الأصل؟ لا بد من أن يأتي يوم وأتأكد، وأنا لا أستطيع التأكد أو التواصل مع الشركات المصنعة للمستحضرات؛ فبحثت في المسألة مرة اخرى، وهي طهارة الخمر من نجاسته؛ حتى أفصل في المسألة، وقرأت تفسير آية: (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر...) في أكثر من تفسير، وتبين أن الخمر طاهر، وإنما نجاسته نجاسة معنوية، وقرأت أقوال العلماء هذه المرة بتمعن أكثر؛ فاطمأن قلبي للقول الذي ينص على طهارته. فبالتالي؛ طهارة الكحول، والمستحضرات الموجودة، وبعد ذلك دخلت في دوامة أنني عملت بفتوى، وانتقلت إلى غيرها، فما حكم هذا العمل؟
وعند البحث تبين أن -أيضًا- هذه مسألة خلافية؛ منهم من أجاز ذلك بضوابط، ومنهم من لم يجزه؛ فوقعت في حيرة وشك أنني متلاعبة، وأنني في جهنم، وأن الله لن يقبل مني صلاتي، وأني نجسة، وأنا أقسم بالله لم أقصد التلاعب أو تتبع الرخص، إنما للضرورة والحاجة، ودفع الحرج والمشقة؛ فبتّ في حيرة من أمري، وعندما علمت أنه يجوز الانتقال من فتوى إلى فتوى ولو بعد العمل بالأولى دخلت في شك أنني كاذبة، وأنني لم أصب بالحرج عندما أخذت بالقول أنها نجسة، وأنه كان بإمكاني التحرز من هذه الأشياء، وهكذا أصبحت مذبذبة، فوالله أنا تعبت حتى بتّ أكره النظر إلى المستحضرات والعطور، ولا أعلم ماذا أصنع؛ هل فعلًا أنا كذلك؟ وهل صحيح أن الله سيعاقبني لأني انتقلت من العمل بفتوى إلى أخرى؟ والله إني بذلت قصارى جهدي في هذا الموضوع حتى أصبح كل تفكيري فيه، ولا أعلم ماذا أصنع! أنا الآن أخذت بطهارة الخمر، وأستخدم هذه المستحضرات؛ لأنه لا يوجد بديل عنها، ولأنني أحتاج لاستعمالها، لكني حزينة جدًّا من هذه الأفكار والشكوك التي انتابتني، أعلم أنكم ستقولون بما أني موسوسة أتبع ايسر الأقوال، ولكن من الآن أخبركم أني سوف أدخل في دوامة أني سآخذ بالأيسر لأني موسوسة، فماذا لو تشافيت؛ هل سأظل آخذ بها؟ فلذلك أنا أخذت بطهارته سواء كنت موسوسة أم لا.
فأتمنى أن أجد منكم الجواب الشرعي لحالتي، وهل ترون بأسًا من الناحية الشرعية على من أخذ بأن الخمر طاهرة؟
وشكر الله لكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالسؤال يتمحور حول إباحة العمل بقول القائلين بطهارة الكحول، ولعل أهم نقطة وردت فيه هي قولك: (وقرأت أقوال العلماء هذه المرة بتمعن أكثر؛ فاطمأن قلبي للقول الذي ينص على طهارته).

فلذلك سنبني الإجابة عليها، ونقول: إن السائلة لا تخلو من احتمالين:

1- أن تكون من أهل النظر في الأدلة والترجيح بينها؛ فحينئذ يتعين عليها الأخذ بما ترجح لديها بحسب الدليل.

2- أن تكون عامية؛ والواجب عليها حينئذ أن تقلد من تثق بعلمه وورعه من أهل العلم، وتراجع الفتوى رقم: 169801.
وعلى هذا؛ فما دامت السائلة اطلعت على أقوال العلماء في المسألة، واطمأن قلبها للقول بطهارة الكحول، وقلدت القائلين به إن كانت من أهل التقليد، أو ترجح لديها هذا القول إن كانت من أهل الترجيح -فلا شيء عليها في العمل به، بل إن هذا هو موقفها الصحيح، ولا يعد هذا من تتبع الرخص المذموم؛ لأن المذموم من ذلك هو الترخص برخص العلماء لمجرد الأهواء من غير مراعاة دليل، ولا رجحان.

وننصحها بطرح الوساوس جانبًا، والإعراض عنها بالكلية؛ فإنها شر عظيم، ولا علاج لها أنفع من ذلك، ولتراجع الفتوى رقم: 51601.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني