الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التكلّف في السؤال أمر مذموم شرعاً وفيه إضاعة لوقت السائل والمسئول

السؤال

قرأت مقالا يفرق بين الإخبار والإنشاء ووددت أن أطلعكم عليه، يقول الكاتب: أما الخبر: فهو المحتمل للتصديق والتكذيب لذاته, والتصديق هو قولنا له صدقت، والتكذيب هو قولنا له كذبت, وهما غير الصدق والكذب، فإن التصديق والتكذيب هو قول وجودي مسموع، والصدق يرجع إلى مطابقة الخبر, والكذب يرجع إلى عدم مطابقته، فهما نسبة وإضافة، والنسب والإضافات عدمية، فوقع الفرق بينهما بالوجود والعدم، ومن وجه آخر فإن الصدق والكذب هو المخبر عنه في التصديق والتكذيب، لأن الصدق والكذب تابع للخبر، والتصديق والتكذيب تابع للصدق والكذب فيقع الفرق بينهما فرق ما بين المخبر عنه والخبر والمتعلق والمتعلق به، وتكملة المقال على الرابط التالي: http://www.startimes.com/?t=11287919
ويقول الكاتب: تنبيه: اعتقد جماعة من الفقهاء أن قولنا في حد الخبر أنه المحتمل للصدق والكذب أن هذا الاحتمال لهما استفادة الخبر من الوضع اللغوي, وأن الوضع اقتضى ذلك، وليس كذلك، بل لا يحتمل الخبر من حيث الوضع إلا الصدق خاصة، وتقريره أن العرب إنما وضعت الخبر للصدق دون الكذب لإجماع النحاة والمتحدثين على اللسان أن معنى قولنا قام زيد حصول القيام في الزمان الماضي, ولم يقل أحد أن معناه صدور القيام أو عدمه، بل جزم الجميع بالصدور، وكذلك جميع الأفعال الماضية وكذلك الأفعال المستقبلة نحو قولنا سيقوم زيد معناه صدور القيام عنه في الزمن المستقبل عينا لا أن معناه صدور القيام أو عدمه, وكذلك أسماء الفاعلين والمفعولين كقولنا زيد قائم معناه أنه موصوف بالقيام عينا, وكذلك المجرورات نحو زيد في الدار معناه لغة استقراره فيها دون عدم استقراره لم يختلف في ذلك اثنان من أئمة العربية، فعلمنا أن اللغة إنما هي الصدق دون الكذب، فإن قلت فما معنى قولكم: إنه يحتمل الصدق والكذب على هذا التقرير الذي اقتضى أن الصدق متعين له فلا يحتمل إلا إياه، قلت: معناه أن ذلك يأتيه من جهة المتكلم لا من جهة الوضع، فإن المتكلم قد يستعمله صدقا على وفق الوضع وقد يستعمله كذبا على خلاف مطابقة الوضع, وقولنا في الشيء إنه يحتمل الشيء الفلاني أعم من كونه يحتمله من جهة مخصوصة معينة, بل إذا احتمله من أي جهة كانت فقد احتمله، فإذا احتمله من جهة المتكلم فقد احتمله من حيث الجملة كقولنا في الممكن إنه قابل للوجود والعدم لا نريد أنه يقبل الوجود من سبب معين، بل من أي جهة كانت وأي سبب كان كذلك هاهنا, ونظير قولنا في الخبر إنه يحتمل الصدق والكذب قولنا في الكلام إنه يحتمل الحقيقة والمجاز, وأجمعنا على ـ ص: 25 ـ أن المجاز ليس من الوضع الأول, وكذلك الكذب فالمجاز والكذب إنما يأتيان من جهة المتكلم لا من جهة الوضع, والذي للوضع هو الصدق والحقيقة، فتأمل ذل .
تنبيه: قولنا في حد الخبر إنه المحتمل للتصديق والتكذيب، إنما يصح على مذهب الجمهور الذين لا يشترطون في حقيقة الكذب القصد إليه، بل يكتفون بعدم مطابقته للمخبر عنه في نفس الأمر، وقال الجاحظ وغيره: يشترط في حقيقة الكذب القصد إليه وعدم المطابقة، فعلى رأي هؤلاء ينقسم الخبر إلى صدق، وهو المطابق، وكذب وهو غير المطابق الذي قصد إلى عدم مطابقته وإلى ما ليس بصدق ولا كذب، وهو غير المطابق الذي لم يقصد إلى عدم مطابقته، فهذا القسم الثالث لا يكون عندهم صدقا ولا كذبا ولا يحتملهما مع أنه خبر فيصير الحد غير جامع عندهم فيكون فاسدا لنا، قوله عليه الصلاة والسلام: كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ـ فجعله إذا حدث بكل ما سمعه كاذبا، لأنه فيه غير مطابق في الغالب, وإن كان لم يعرفه حتى يقصد إليه، فدل ذلك على عدم اعتبار القصد في الكذب, وقوله عليه الصلاة والسلام: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ـ مفهومه أن من كذب غير متعمد لا يستحق النار، فدل ذلك على تصور حقيقة الكذب من غيرـ ص: 26ـ قصد إليه, وهو المطلوب، احتجوا بقوله تعالى: أفترى على الله كذبا أم به جنة ـ فقسم الكفار قوله عليه الصلاة والسلام إلى الكذب وإلى الجنون الذي لا يتصور معه القصد مع اعتقادهم عدم المطابقة في القسمين، فدل ذلك على أنه لا يسمى كذبا إلا إذا قصد، لعدم مطابقته... فهل الإقرار بالطلاق كذبا يعتبر فقط المقر بالطلاق كاذبا وأن الطلاق واقع بناء على الكلام السابق؟ أم أن المخبر كذبا لا يصبر عند الله صدقا في كل الأحوال، فلذلك لا يقع الطلاق ديانة؟ وهل إذا قال المنافق إنه آمن، فهل نعتبر الأمر لا يحتمل إلا الصدق بناء على الكلام السابق، وهو أن نكذبه ويصير ما أخبر عنه عند الله صدقا وواقعا؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمقصود من كلام القرافي ـ رحمه الله ـ أنّ الخبر موضوع في اللغة للصدق دون الكذب، ولا يعني هذا أنّ من تكلم بخبر فهو صادق مطلقاً، بل قد يكون صادقاً وقد يكون كاذباً، فالكذب من جهة المتكلم لا من حيث الوضع اللغوي، فإذا قال المنافق إنه مؤمن وهو في الواقع كافر، أو قال الرجل: طلقت زوجتي وهو في الواقع لم يطلقها، فكلاهما كاذب، وقد سبق أن بينا خلاف العلماء في حكم من أخبر بطلاق زوجته كاذباً، في الفتوى رقم: 23014.

وننبه السائل إلى أنّ التكلّف في السؤال وكثرة التشقيق في المسائل أمر مذموم شرعاً وفيه إضاعة لوقت السائل والمسئول، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ واصفا حال الصحابة رضي الله عنهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولكن إنما كانوا يسألونه عما ينفعهم من الواقعات ولم يكونوا يسألونه عن المقدرات والأغلوطات وعضل المسائل، ولم يكونوا يشتغلون بتفريع المسائل وتوليدها، بل كانت هممهم مقصورة على تنفيذ ما أمرهم به، فإذا وقع بهم أمر سألوا عنه فأجابهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني