الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من يلعب ألعاب تحضير الجن؟

السؤال

هل يكفر من يلعب ألعاب تحضير الجن؛ لأني قرأت عندكم أن تحضير الجن نوع من أعمال الشعوذة، لكني لم أركم تكفرون فاعلها؛ لأن ألعاب تحضير الجن انتشرت، وأخاف أن أكفر المسلمين بدون علم، وهل أكفر بجهلي هذا؛ لأني موسوسة؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الحكم في هذه الألعاب يختلف باختلاف ما يعمله اللاعبون، فإن كان فيه شيء من ادعاء الغيب أو الكهانة أو تقديم قربان للجن فإن ذلك يحصل به الكفر، وإن لم يكن فيه شيء من ذلك فلا يكفر صاحبه، فقد جاء في شرح فتح المجيد للعلامة الدكتور عبد الله الغنيمان أنه سئل: هل إحضار الجني من السحر؟

فقال في الجواب:
لا يلزم أن يكون من السحر، فالجني قد يحضر إذا خدم وعبد، يحضر لنفع وإضلال الإنسان، والجن موجودون مع الناس ولكنهم لا يظهرون، وإذا طلب من الجني أن يظهر ويعمل العمل الذي طلب منه فقد يظهر إذا رضي، وهذا ما يسميه من أراد أن يجعل الشرك متمدنا بـ (تحضير الأرواح) أو بـ (التنويم المغناطيسي) أو ما أشبه ذلك من الأمور التي هي من عمل الجاهلية، بل من عمل المشركين، فهذا لا يجوز، والمؤمن يجب أن يكون متعلقا بربه جل وعلا، لا أن يتعلق بجني أو بإنسي، ويجب عليه أن يحترز من الجن بذكر الله جل وعلا، والاستعاذة بالله منهم. اهـ

وسئل الدكتور وهبة الزحيلي كما في موقعه: عن علوم ما وراء الطبيعة والخوارق حلال أو حرام، وذكر السائل من جمل ذلك: الخروج الأثيري عن الجسد، فكان الجواب: هذه وسائل وهمية، وإن ترتب عليها ـ أحياناً ـ بعض النتائج الصحيحة ، ويحرم الاعتماد عليها وممارستها ـ سواء بالخيال أو الفعل ـ فإن مصدر العلم الغيبي هو الله وحده ، ومن اعتمد على هذه الشعوذات كفر بالله وبالوحي كما ثبت في صحاح الأحاديث النبوية الواردة في العَّراف والكاهن ونحوهما. اهـ

فعليك بالحذر من تكفير الناس، ولا سيما إن كنت موسوسة، فإن الحكم بالكفر ليس أمرا هينا، ومن ثبت إسلامه بيقين فلا يزول بالشك، وليس كل من وقع في الكفر وقع الكفر عليه، وقد ذكر أهل العلم أيضا أن من حصل منه ما يحتمل الردة وغيرها لا يكفر بذلك، كما قال علي القاري في شرح الشفا: قال علماؤنا: إذا وجد تسعة وتسعون وجها تشير إلى تكفير مسلم ووجه واحد إلى إبقائه على إسلامه فينبغي للمفتي والقاضي أن يعملا بذلك الوجه، وهو مستفاد من قوله عليه السلام: ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن وجدتم للمسلم مخرجا فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير له من أن يخطئ في العقوبة ـ رواه الترمذي والحاكم. اهـ.

ولا يقع الكفر بجهل مثل هذه المسائل، بل إن الجاهل معذور حتى تقوم عليه الحجة، فالأصل هو الحكم بإسلام الواقعين في المخالفات وعدم تكفيرهم حتى يتحقق من قيام الحجة الرسالية التي يكفر مخالفها عليهم، فقد جاء في تلخيص كتاب الاستغاثة: فإن تكفير الشخص المعين, وجواز قتله موقوف على أن تبلغه الحجة النبوية التي يكفر من خالفها، وإلا فليس كل من جهل شيئًا من الدين يكفر، ولهذا لما استحل طائفة من الصحابة والتابعين ـ كقدامة بن مظعون, وأصحابه ـ شرب الخمر، وظنوا أنها تباح لمن عمل صالحًا على ما فهموه من آية المائدة اتفق علماء الصحابة ـ كعمر, وعلي, وغيرهما ـ على أنهم يستتابون، فإن أصروا على الاستحلال كفروا، وإن أقروا به جلدوا، فلم يكفروهم بالاستحلال ابتداء لأجل الشبهة التي عرضت لهم حتى يتبين لهم الحق، فإذا أصروا على الجحود كفروا، وقد ثبت في الصحيحين حديث الذي قال لأهله: إذا أنا مت فاسحقوني, ثم ذروني في اليم، فوالله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابًا ما عذبه أحدًا من العالمين، فأمر الله البر فرد ما أخذ منه، وأمر البحر فرد ما أخذ منه، وقال ما حملك على ما فعلت؟ قال: خشيتك يا رب، فغفر له ـ فهذا اعتقد أنه إذا فعل ذلك لا يقدر الله على إعادته, وأنه لا يعيده، أو جوز ذلك، وكلاهما كفر، لكن كان جاهلًا لم يتبين له الحق بيانًا يكفر بمخالفته، فغفر الله له. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني