الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

من أحكام المضاربة وحكم الأجرة على الضمان

السؤال

كان لي زميل بالمدرسة حسن الخلق -على ما نرى-، ويتاجر في الأدوية منذ سنوات، فأردت أن أدخل معه في التجارة، فأعطيته مالي، ولما عرف بعض أصحابي بأني دخلت معه في التجارة أرادوا أن يدخلوا معي في تلك التجارة، وقلت لهم: إن هذا الرجل حسن السلوك، وأنا أضمن لكم المال إذا أردتموه في أي وقت. ودخلوا التجارة على مبدأ الثقة في أنا، ودخلت أنا على مبدأ الثقة في زميلي. وكنت آخذ من مكسبهم نسبة من المال على معرفتهم بذلك في مقابل أنهم لا يعرفونه وضمان المال؛ فآخذ نسبة من الربح على المكسب بمقدار جنيه أو اثنين على كل ألف جنيه، وظللنا على ذلك شهرًا ونصف شهر، ثم حدث ما لم يكن في الحسبان: أن هذا الزميل التاجر قال لنا أنه تم النصب عليه. مع العلم بأنه قال إنه يتاجر ويدير بنفسه، وليس معه شركاء. وبعد ذلك سلم نفسه للشرطة ولم نأخذ شيئًا، فقام هؤلاء الأصحاب بمطالبتي بمالهم مع أني فقدت مالي أنا أيضًا ولم آخذ شيئًا، وهم يعرفون جيدًا أني لم آخذ هذا المال، وإنما أعطيته لشخص يتاجر لنا فيه على أن آخذ نسبة من الربح، فهم يطالبونني بشدة مع أني خسرت مالي كله، فهل لهم حق في مطالبتي بهذا المال أم ماذا؟
أرجو سرعة الإفادة بالتفصيل؛ لأني سأنقل لهم رأي سيادتكم، وجزاكم الله خيرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا يصح ضمان رأس مال المضاربة؛ لأن العامل فيها أمين على ما في يده من مال المضاربة، فلا يضمن إلا بالتعدي أو التفريط، ولذلك لا يصح في المضاربة اشتراط ضمان رأس المال، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 116002، وإحالاتها.
وفي المغني لابن قدامة: "فأما الأمانات؛ كالوديعة، والعين المؤجرة، والشركة، والمضاربة، والعين التي يدفعها إلى القصار والخياط: فهذه إن ضمنها من غير تعد فيها لم يصح ضمانها؛ لأنها غير مضمونة على من هي في يده، فكذلك على ضامنه، وإن ضمنها إن تعدى فيها فظاهر كلام أحمد -رحمه الله- يدل على صحة الضمان؛ فإنه قال في رواية الأثرم في رجل يتقبل من الناس الثياب فقال له رجل: ادفع إليه ثيابك وأنا ضامن. فقال له: هو ضامن لما دفعه إليه. يعني: إذا تعدى أو تلف بفعله، فعلى هذا إن تلف بغير تفريط منه ولا فعله لم يلزم الضامن شيء؛ لما ذكرنا، وإن تلف بفعله أو تفريط لزمه ضمانها ولزم ضامنه ذلك؛ لأنها مضمونة على من هي في يده، فلزم ضامنه، كالغصوب والعواري".
وعلى ذلك؛ فإن كان زميلك لم يتعد ولم يفرط فإنه لا يلزمه شيء، ومن ثم لا يلزمك شيء أيضًا؛ لأن أموال أصحابك غير مضمونة عليه، فكذلك لا تكون مضمونة عليك، واشتراط الضمان في هذه الحالة باطل.

أما إن كان زميلك قد أهمل أو تعدى فحينئذ يصح الضمان، ومن ثم يحق لأصحابك المطالبة بمالهم. وقد اختلف العلماء في مدى أحقية مطالبة صاحب الحق للضامن؛ هل هي على إطلاقها أم عند تعذر مطالبة المضمون عنه؟ قال ابن قدامة في المغني: "ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما. وحكي عن مالك في إحدى الروايتين عنه أنه لا يطالب الضامن إلا إذا تعذر مطالبة المضمون عنه؛ لأنه وثيقة، فلا يستوفي الحق منها إلا عند تعذر استيفائه من الأصل كالرهن.

ولنا: أن الحق ثابت في ذمة الضامن، فملك مطالبته كالأصيل، ولأن الحق ثابت في ذمتهما فملك مطالبة من شاء منهما كالضامنين إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه، ولا يشبه الرهن؛ لأنه مال من عليه الحق وليس بذي ذمة يطالب، إنما من عليه الدين ليقضى منه أو من غيره".
وقال ابن عثيمين -رحمه الله-: "القول الثاني: أنه لا يملك مطالبة الضامن إلا إذا تعذرت مطالبة المضمون عنه بموت، أو غيبة، أو مماطلة، أو فقر، فإذا تعذرت مطالبة المضمون عنه فله أن يطالب الضامن.

وحجة هؤلاء: أنه لا يرجع للفرع مع تمكن الاستيفاء من الأصل، فإذا أمكن الرجوع إلى الأصل فإنه يستغنى به عن الفرع، وهذا اختيار شيخنا عبد الرحمن السعدي -رحمه الله-، وعمل الناس اليوم على هذا القول" (الشرح الممتع).
فعلى القول الأول؛ يحق لأصحابك مطالبتك كما يحق لهم مطالبة زميلك.

أما على القول الثاني؛ فليس لهم أن يطالبوك إلا عند تعذر مطالبتهم لزميلك.

وننبه إلى أنه لا يجوز أخذ مقابل على الضمان، ولو كان الضمان صحيحًا. وانظر الفتوى رقم: 57099.

وعلى ذلك؛ فيلزمك أن ترد إلى أصحابك ما أخذته من مكسبهم مقابل الضمان.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني