الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام الصلاة والصيام بنية القضاء والصدقة عن الميت

السؤال

عندي سؤالان أولهما: أن والدي أسأل الله له الرحمة والمغفرة والأولى أن أذكر محاسن والدي، ولكن هو توفي ولا أذكر بحياتي أنه صلى أو صام، وكان يشرب الخمر، ولكن لم يكن يمنعنا من الصلاة والصيام والذهاب للمسجد، ولكنه مرض في نهاية حياته وترك الخمر، وبعدها أنا سافرت وبعد أربعة أشهر من سفري توفي بالجلطة، ولا أظن أنه صلى بعد سفري، فهل يجوز أن أصلي عنه أو أصوم عنه أو أحج عنه أو أتصدق عنه أو أدعو له بالرحمة، وأنا أعلم أنني لم أره يصلي أو يصوم طيلة حياتي معه.
وأما عن سؤالي الثاني: أن لي صديق طفولة قتل عند أداء عمله كسائق سيارة خصوصية على أيدي الميليشيات وليس معروفا من قتله لأنهم هربوا بعد ما قتلوه بسيارته التي كان يعمل بها ووجده ناس مارة ونقلوه للمستشفى وأخته قالت إنه توفي في المستشفى على إثر طلقات في الرأس، فهل هو شهيد إن كان مداوما على الصلاة؟ أم أنه ليس شهيدا إن لم يكن مداوما على الصلاة؟ لأني لا أعرف إن كان مداوما على صلاته أم لا؟ ولا أستطيع أن أسأل أخته ذلك السؤال، وذلك لحساسية الموضوع، آسف على الاطالة.
وجزاكم الله خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإذا كان والدك يترك الصلاة جحودا لوجوبها فلا يجوز الاستغفار له لاتفاق أهل العلم على كفر تارك الصلاة جحودا، وأما إن كان مقرا بوجوبها إلا أنه يتكاسل عنها فالكثير من أهل العلم لا يرى أنه كافر، وعليه فيجوز الاستغفار له والتصدق والحج عنه وكذا الصوم عنه على الراجح ويلحقه أجر ذلك، ويرى بعضهم أنه كافر ولو كان مقرا بوجوبها. وعلى هذا القول فلا يجوز الاستغفار لتارك الصلاة ولو كان مقرا بوجوبها، قال النووي في المجموع: فرع في مذاهب العلماء فيمن ترك الصلاة تكاسلا مع اعتقاده وجوبها فمذهبنا المشهور ما سبق أنه يقتل حدا ولا يكفر، وبه قال مالك والأكثرون من السلف والخلف، وقالت طائفة: يكفر ويجرى عليه أحكام المرتدين في كل شيء، وهو مروي عن علي بن أبي طالب وبه قال ابن المبارك. انتهى

والذي نرى أنه لا حرج في الدعاء له بالرحمة, والتصدق والصوم والحج عنه لاحتمال كونه لم يكن منكرا وجوبها، وبناء على قول الجمهور بإسلامه.

وأما الصلاة فلا يصلى عنه بنية قضائها عنه؛ لأن الأصل أن لا يصلي أحد عن أح،د ولكنه يجوز عند جمع من أهل العلم إهداء ثواب التطوعات من الصلوات وغيرها له، فقد قال الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى {النجم:39}، وأجمعوا أنه لا يصلي أحد عن أحد. اهـ

وقال الحافظ ابن حجر: أجاز الصيام عن الميت: أصحاب الحديث، وعلق الشافعي في القديم القول به على صحة الحديث كما نقله البيهقي في "المعرفة"، وهو قول أبي ثور وجماعة من محدثي الشافعية، وقال البيهقي في "الخلافيات ": هذه المسألة ثابتة، لا أعلم خلافا بين أهل الحديث في صحتها فوجب العمل بها، ثم ساق بسنده إلى الشافعي قال: كل ما قلت وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم خلافه فخذوا بالحديث، ولا تقلدوني. وقال الشافعي في الجديد ومالك وأبو حنيفة: لا يصام عن الميت، وقال الليث وأحمد وإسحاق وأبو عبيد: لا يصام عنه إلا النذر، حملا للعموم الذي في حديث عائشة على المقيد في حديث ابن عباس، وليس بينهما تعارض حتى يجمع بينهما، فحديث ابن عباس صورة مستقلة سأل عنها من وقعت له، وأما حديث عائشة فهو تقرير قاعدة عامة، وقد وقعت الإشارة في حديث ابن عباس إلى نحو هذا العموم حيث قيل في آخره "فدين الله أحق أن يقضى". اهـ من فتح الباري (4 / 193، 194) .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بالصدقة على الميت، وأمر أن يصام عنه الصوم، فالصدقة عن الموتى من الأعمال الصالحة، وكذلك ما جاءت به السنة في الصوم عنهم، وبهذا وغيره احتج من قال من العلماء: إنه يجوز إهداء ثواب العبادات المالية والبدنية إلى موتى المسلمين، كما هو مذهب أحمد وأبي حنيفة، وطائفة من أصحاب مالك والشافعي، فإذا أهدي لميت ثواب صيام أو صلاة أو قراءة جاز ذلك، وأكثر أصحاب مالك والشافعي يقولون: إنما شرع ذلك في العبادات المالية، ومع هذا لم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعاً وصاموا وحجوا أو قرأوا القرآن، يهدون ثواب ذلك لموتاهم المسلمين، ولا بخصوصهم، بل كان عادتهم كما تقدم ـ أي فعل العبادة لأنفسهم مع الدعاء والصدقة للميت ـ فلا ينبغي للناس أن يبدلوا طريق السلف، فإنه أفضل وأكمل. انتهى من الفتاوى الكبرى

واما المقتول ظلما فهو شهيد، كما نص عليه الحطاب في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: وقال في العارضة في الذي يقتله اللصوص: لا خلاف أنه شهيد، وكذلك كل من قتل مظلوما دون مال أو نفس. اهـ. وقد نص عليه كذلك الشيخ زكريا الأنصاري وتابعه الشربيني والهيتمي وغيرهما،

إلا أنه ـ أي المقتول ظلما ـ لا تجري عليه أحكام الشهيد في الدنيا عند جمهور أهل العلم، بل يغسل ويصلى عليه عكس شهيد المعركة، فقد جاء في الشرح الكبير على متن المقنع: ومن قتل مظلوما، فهل يلحق بالشهيد؟ على روايتين: إحداهما: يغسل ويصلى عليه، اختارها الخلال، وهو قول الحسن، ومذهب مالك والشافعي، لأن رتبته دون رتبة الشهيد في المعترك، أشبه المبطون، ولأن هذا لا يكثر القتل فيه، فلم يجز إلحاقه بشهيد المعترك، والثانية: حكمه حكم الشهيد، وهو قول الشعبي والأوزاعي وإسحق في الغسل، لأنه شهيد أشبه شهيد المعترك. اهـ.

وقد رجح ابن مفلح هذا القول، واستدل لذلك بأن عمر وعثمان وعلياً والحسين قتلوا ظلماً وغسلوا وصلي عليهم، ولأنه ليس بشهيد المعركة أشبه المبطون.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني