الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكمة في تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على سائر البشر

السؤال

لدي سؤال أريد فيه جوابًا يذهب عني وسواس الشيطان.
السؤال هو: لماذا النبي -صلى الله عليه وسلم- هو أفضل البشر فيما يتعلق بالقرب إلى الله؟ الله عصمه من الخطأ وأعانه على قرينه فأسلم؛ فأصبح يأمره بالخير بدلًا من الشر.
ولماذا قال الله على لسان رسوله: (إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي) يعني: الفرق بيننا وبينه أنه فقط يوحى إليه؟ بينما يوسوس لي الشيطان أنه مختلف عنا، فهو ليس بشرًا مثلنا، فإذا كان قد عصمه الله، وليس لديه قرين يزين له الشر، فلماذا لا يكون أحد الصحابة أو الصالحين أعلى مقامًا لأنه يجاهد نفسه الأمارة بالسوء؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بشر مثل البشر في حياته العادية، كما يدل له قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ..{فصلت:6}، وفي حديث الصحيحين: إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون.

لكن الله -سبحانه وتعالى- اصطفاه للرسالة، وفضله على سائر البشر، وجعله خاتم الرسل، وهو سبحانه: لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ {الأنبياء:23}.

ومن ثم فتفضيل النبي -صلى الله عليه وسلم- وكذا سائر الأنبياء على بقية البشر تشريف وتكريم من الله تعالى لهم، وليس من اللائق أن نسأل لماذا يفضل الله بعض عباده على بعض؛ فإن الله -سبحانه وتعالى- هو المالك المتصرف في كل الخلائق، فيفضل من شاء لحكمة يعلمها -عز وجل-، يقول سبحانه: وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ {القصص:68}. قال القرطبي: والمعنى: وربك يخلق ما يشاء من خلقه، ويختار منهم من يشاء لطاعته. اهـ.

وقال ابن جرير في تفسيره: وربك -يا محمد- يخلق ما يشاء أن يخلقه، ويختار للهداية والإيمان والعمل الصالح من خلْقه ما هو في سابق علمه أنه خيرتهم، نظير ما كان من هؤلاء المشركين لآلهتهم خيار أموالهم، فكذلك اختياري لنفسي، واجتبائي لولايتي، واصطفائي لخدمتي وطاعتي، خيار مملكتي وخلقي. اهــ.

فتبين من هذا: أن الله تعالى يفضل من يشاء من عباده لحكمة يعلمها سبحانه، وقد فضّل نبينا، وجعل رسالته خاتمة الرسالات، ونزّل عليه خير كتبه، وعصمه من الزلل، وأعانه على قرينه فأسلم، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ....

ومع ذلك؛ لم يتكل صلى الله عليه وسلم على هذا كله، بل عبد ربه حق العبادة، وبالغ في التقرب إلى الله تعالى، وتحمل مشقة الطاعة، فعن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا -يا رسول الله- وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! قال: أفلا أحب أن أكون عبداً شكوراً! متفق عليه.

ولو تركنا جانب "التفضيل الإلهي" -مع أنه هو الأساس في هذا الأمر- ونظرنا فقط فيما قدمه عليه الصلاة والسلام لهذا الدين، وما لاقى في سبيل إقامته، لما كان هناك أي وجه لأن يقارن به غيره في الفضل والقرب من الله تعالى مهما فعل ذلك الغير؛ فدع عنك الوساوس الشيطانية، واتركها خلف ظهرك، واعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بشر، لكن خصه الله تعالى بما لم يخص به غيره، وجعله أفضل خلقه، فإذا تقرر هذا في قلبك فلن يكون هناك داع لأي مقارنة من هذا القبيل الذي تطرحه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني