الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الموازنة بين مصلحة بقاء الزوجين وضرر الفراق

السؤال

أرجو أن ترشدوا هذه الزوجة إلى فعل الأصوب في حياتها الزوجية، وهي كما يلي:
لقد تزوجت من زوجها بعد أن أقنعها خالها، وخالتها بإجبار، وبإخبارها أن زوجها شخص جيد، وصلت الاستخارة. وبعد الزواج تقريبا بخمسة أيام، ذهب زوجها إلى أهله، وتركها معلقة لمدة شهر. وبعد أن أصلح أحد العلماء بينهما، مكثت عند زوجها تقريبا خمسة أشهر، وبعدها لمرة ثانية اختلف زوجها معها بسبب النقاب، وأراد منها أن تخلعه، بعد أن مثل في المرة الأولى أمام الشيخ بأنه موافق على النقاب، ولا ينفق عليها، ويجعلها تسكن في بيت أهله، ويريد منها أن تعمل لأهله أمام إخوته دون حجاب كامل.
وفي الأيام الأخيرة شتم الزوج والدي الزوجة، وقال لها: ليس لي الآن لا خالة (أم الزوجة هي خالة الزوج) ولا زوجة، وأنتم عندي ميتون. وعندما أرسل والدا الزوجة أشخاصا للإصلاح، قال الزوج وأهله: لا تأتوا إلينا، وإلا سنشتمكم. وأخ الزوج سب أهل الزوجة بألفاظ بذيئة.
لذا هل الأصوب طلب الطلاق، أم البقاء مع الزوج؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فمن حقوق الزوجة على زوجها أن يحسن عشرتها؛ امتثالا لأمر الله عز وجل، فهو القائل: وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا {النساء:19}، وامتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: استوصوا بالنساء خيرا. متفق عليه.

فتصرفات هذا الزوج مع زوجته، يتنافى مع هذا كله، وتنم عن لؤم، وسوء فهم، فهذه المرأة إضافة إلى كونها زوجته، فإن بينه وبينها رحما، وشأن الرحم عظيم، أمر الله بصلتها، ونهى عن قطيعتها، كما هو مبين في الفتوى رقم: 76678. وما حدث منه، وأهله من سب لأهل الزوجة، فيه نوع من القطيعة.

وننصح بتحكيم العقلاء من أهل الزوج، وأهل الزوجة، لينظروا في الأمر، ويقضون بما هو أصلح، قال تعالى: وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا {النساء:35}.

قال القرطبي رحمه الله: فإن لم يوجد من أهلها من يصلح لذلك، فيرسل من غيرهما عدلين عالمين، وذلك إذا أشكل أمرهما ولم يدر ممن الإساءة منهما، فأما إن عرف الظالم، فإنه يؤخذ له الحق من صاحبه، ويجبر على إزالة الضرر.

ويقال: إن الحكم من أهل الزوج يخلو به، ويقول له: أخبرني بما في نفسك أتهواها أم لا حتى أعلم مرادك؟ فإن قال: لا حاجة لي فيها، خذ لي منها ما استطعت، وفرق بيني وبينها، فيعرف أن من قبله النشوز، وإن قال: إني أهواها، فأرضها من مالي بما شئت، ولا تفرق بيني وبينها، فيعلم أنه ليس بناشز.

ويخلو الحكم من جهته بالمرأة، ويقول لها: أتهوين زوجك أم لا؟ فإن قالت: فرق بيني وبينه، وأعطه من مالي ما أراد، فيعلم أن النشوز من قبلها، وإن قالت: لا تفرق بيننا، ولكن حثه على أن يزيد في نفقتي، ويحسن إلي. علم أن النشوز ليس من قبلها، فإذا ظهر لهما الذي كان النشوز من قبله، يقبلان عليه بالعظة، والزجر، والنهي... اهـ.
هذا مع العلم بأن الطلاق يكون أصلح إذا انسد أفق الحل، وكان استمرار الزوجية نكدا على الزوجين.

قال ابن قدامة في المغني: فإنه ربما فسدت الحال بين الزوجين، فيصير بقاء النكاح مفسدة محضة، وضررًا مجردًا، بإلزام الزوج النفقة، والسكنى، وحبس المرأة مع سوء العشرة، والخصومة الدائمة من غير فائدة، فاقتضى ذلك شرع ما يزيل النكاح؛ لتزول المفسدة الحاصلة منه. اهـ.
وقد يجعل الله للزوجين بعد الفراق من أمر الخير ما لا يخطر لأي منهما على بال، قال تبارك وتعالى: وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا {النساء:130}.

قال القرطبي في تفسيره: أي: وإن لم يصطلحا، بل تفرقا، فليحسنا ظنهما بالله، فقد يقيّض للرجل امرأة تقر بها عينه، وللمرأة من يوسع عليها. اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني