الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كفارة الحنث في الأيمان

السؤال

إخوتي في الله: جزاكم الله خيرا على ما تقدمونه من مساعدات وفتاوى للسائلين الكرام.
أرجو منكم أن تجيبوا على سؤالي هذا تفصيلا.
أريد أن أعرف هل علي كفارة يمين في هذه الحالات في الحلف بالله؟
1ـ وأنا وحدي قلت: والله لن أدع أربع ركعات قبل الظهر وبعده، هل لا قدر الله لي إذا تركتها علي شيء من الكفارة؟
2ـ عندما كنت أتناول كوب شاي في محل شاي أتى أصحابي وعندما أتى وقت الحساب قلت لهم والله لن تدفعوا فأصروا وأصررت عليهم ألا يدفعوا، ولكن دفعوا وتهاونوا بحلفي، فدفعوا هم وقالوا لي المرة القادمة سيكون الحساب عليك في الشاي.
أرجو إفتائي إذا كان علي صيام ثلاثة أيام أم لا في كلتا الحالتين؟
وجزاكم الله خيرا
3ـ سألني صديق لي ما إذا كنت أملك بعض المال لأقرضه وقلت والله ما عندي، وفي نفس الوقت كان لدي حوالي 200 دولار أحتفظ به في حالة الحاجة خارجا من مصروفي، مع العلم أني طالب وأدرس بالهند والعملة لديهم الروبية، وهذه الـ 200 دولار كانت خارج المصروف، ولم تكن في حسباني عندما حلفت، فما علي في هذه الحالات الثلاث؟
أرجو التوضيح، وحزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننبهك ـ ابتداء ـ إلى أن كثرة الحلف أمر مذموم شرعاً، فقد قال الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ {المائدة:89}، وقال سبحانه: وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ {البقرة:224}.
فينبغي أن تتجنب كثرة الحلف مستقبلا.
وأما بخصوص الأيمان الواردة في السؤال فالجواب فيها على النحو التالي:
1ـ حلفك بأنك لن تدع أربع ركعات قبل الظهر وبعده يعتبر يمينا منعقدة، فلو تركت ما حلفت عليه لزمتك الكفارة، ولا يلزمك إعادة الكفارة بتكرار الحنث؛ لأن الأصل أن اليمين تنحل بأول حنث فيها، إلا إذا كانت صيغة يمينك تقتضي التكرار أو نويت التكرار، أو اقتضاه العرف، قال ابن الحاجب في (جامع الأمهات): لا يتكرر الحنث بتكرر الفعل ما لم يكن لفظ يدل عليه مثل (كلما) و(مهما)... أو قصد إليه، أو كان المقصد العرفي. انتهى. وانظر ـ لتفصيل ذلك ـ الفتوى رقم: 136912، والفتوى رقم: 174597.
2ـ حلفك على أن تدفع الحساب عن أصحابك ولم تفعل، إن كان بدون عقد نية، أو كان سبق لسان فإن هذا من لغو اليمين الذي لا مؤاخذة فيه ولا كفارة، قال الله تعالى: لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ {البقرة:225}.
أما إن كان حلفك بقصد وعقد نية؛ فإن كان القصد من اليمين الإكرام دون إلزامهم ففي وجوب الكفارة خلاف، والراجح ـ كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ـ عدم وجوب الكفارة؛ لأن القصد الإكرام وقد حصل، وهو من باب التخصيص بالنية، وإن كان قصدك إلزامهم ولم يستجيبوا فإنك تحنث وتجب عليك كفارة اليمين، كما قال ابن قدامة ـ رحمه الله ـ في المغني: فإن قال: والله ليفعلن فلان كذا، أو لا يفعل، أو حلف على حاضر، فقال: والله لتفعلن كذا فأحنثه، ولم يفعل، فالكفارة على الحالف، كذا قال ابن عمر، وأهل المدينة وعطاء، وقتادة والأوزاعي وأهل العراق والشافعي، لأن الحالف هو الحانث، فكانت الكفارة عليه. انتهى.
ومن أهل العلم من فصل بين أن يكون الحالف يظن أن المحلوف عليه سيطيعه، وبين من لا يظن ذلك، فيحنث في الثاني دون الأول، جاء في الموسوعة الفقهية: ...وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية بين الحلف على من يظن أنه يطيعه، والحلف على من لا يظنه كذلك، فقال: من حلف على غيره يظن أنه يطيعه فلم يفعل، فلا كفارة، لأنه لغو، بخلاف من حلف على غيره في غير هذه الحالة، فإنه إذا لم يطعه حنث الحالف ووجبت الكفارة عليه. انتهى. وراجع الفتاوى ذات الأرقام التالية: 44587، 114705، 262675.
3ـ أما اليمين الثالثة فلا كفارة فيها؛ لأن قولك: (ولم تكن في حسباني عندما حلفت) يحتمل أنك لم تذكر المائتين عندما حلفت فهذه يمين لغو ولا شيء فيها.
ولو فرض استحضارها، فهي يمين كاذبة تجب فيها التوبة، ولا تلزم الكفارة على الراجح.
وكفارة اليمين مبينة في الفتوى رقم: 2053، ولا ينتقل للصيام إلا عند العجز عن الثلاثة التي قبله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني