الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الترهيب من الاستعانة بالسحرة في استخراج الكنوز، وأحكام الكنز والركاز

السؤال

قام بعض الأقارب باستخراج كنز مدفون بمنزلهم، الذي يملكونه، واستعانوا بساحر في استخراج الكنز. وبعد ما استخرجوه قاموا بأخذ نصيبهم من الكنز، من ثمن الأشياء المنهي عنها شرعا مثل خواتم، وغوايش ( أسورة) وعقود ذهبية، بعيدا عن تماثيل الحجارة. فهل هذه الأموال محرمة؛ لكونهم استعانوا بساحر لاستخراج رزق ساقه الله إليهم؟
السؤال الثاني: لو قام أحد الدجالين بشراء منزل فيه كنز، دون أن يتم استخراج الكنز من البيت، واشترى البيت، وثمن الكنز، وهو يعلم أن البيت فيه كنز؛ فدفع مبلغا من المال مقابل شراء البيت بكنزه. فهل ثمن المال المدفوع في البيت بكنزه حرام أم حلال؟
السؤال الثالث: هل الذهاب للدجالين، أو السحرة لاستخراج الكنوز تخرج من ملة الإسلام؟ وهل للساحر من توبة؟
السؤال الرابع: يسأل بعض الناس: هل من طريقة شرعية لاستخراج الكنوز؟ وهل يعتبر الذهاب إلى السحرة لاستخراج الكنوز عن طريق الجن من بيت، يؤذي كل ساكنيه من الإنس بسبب الكنز المدفون أسفلهم، ضرورة لدفع ضرر، وقلبهم مطمئن بالإيمان؟
وجزاكم الله خيرا، وفقكم الله، والله المستعان.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن الاستعانة بالسحرة، محرم، ومن أتى ساحراً، أو سأله، فقد أذنب ذنباً عظيماً، ولا سيما إذا صدقه في قوله، أو عمل له سحراً، ففي الحديث: ليس منا من سحر، أو سُحر له. رواه الطبراني، وصححه الألباني. وفي الحديث: من أتى ساحرا، أو كاهنا، أو عرافا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما أنزل على محمد. رواه البيهقي عن ابن مسعود.
وقد تكلم أهل العلم في تكفير من أتى السحرة، وطلب منهم عمل السحر، فذكروا أن من اعتقد أن الساحر يعلم الغيب، أو أنه يضر، أو ينفع بسحره، فهذا الاعتقاد كفر أكبر، ومثل ذلك طاعتهم فيما يأمرون به من التقرب للجان بالذبح، أو غيره.
وبناء عليه، فإنه يحرم على المسلم الاستعانة بالسحرة في استخراج الكنوز.

وقد سئل الشيخ ابن عثيمين: هناك من يحضر الجن بطلاسم يقولها، ويجعلهم يخرجون له كنوزا مدفونة في أرض القرية، منذ زمن بعيد. فما حكم هذا العمل؟ فأجاب: هذا العمل ليس بجائز، فإن هذه الطلاسم التي يحضرون بها الجن، ويستخدمونهم بها لا تخلو من شرك في الغالب، والشرك أمره خطير، قال الله تعالى: إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار ـ والذي يذهب إليهم يغريهم، ويغرهم. يغريهم بأنفسهم وأنهم على حق، ويغرهم بما يعطيهم من الأموال، فالواجب مقاطعة هؤلاء، وأن يدع الإنسان الذهاب إليهم، وأن يحذر إخوانه المسلمين من الذهاب إليهم، والغالب في أمثال هؤلاء أنهم يحتالون على الناس، ويبتزون أموالهم بغير حق، ويقولون القول تخرصا، ثم إن وافق القدر أخذوا ينشرونه بين الناس، ويقولون: نحن قلنا وصار كذا، ونحن قلنا وصار كذا، وإن لم يوافق ادعوا دعاوى باطلة، أنها هي التي منعت هذا الشيء. اهـ.

واعلم أن الكنز ينبغي النظر فيه: فإن علم أنه من دفن الجاهلية قبل الإسلام، فهو ركاز يخرج خمسه، ويصرف في مصارف الفيء عند الجمهور. وقال الشافعية يصرف في مصارف الزكاة, والباقي بعد إخراج الخمس، فهو لأهل المنزل جميعا . وراجع في ذلك الفتوى رقم: 105956. أما إن كان من دفن أهل الإسلام، فإنه يعتبر لقطة تعرف سنة. فإن جاء مالكها أو ورثته فهي له, وإلا فإن لمن وجدت في أرضهم أن ينتفعوا بها. فإذا جاء مالكها، أو ورثته، دفعت إليهم. وللمزيد من التفصيل، والفائدة من أحكام الكنز والركاز، والتصرف فيه، نرجو أن تطلع على الفتويين التاليتين: 7604 / 70436.

ولا حرج على صاحب البيت في تملك الركاز المستخرج بطريقة تشتمل على الاستعانة بالسحرة -مع حرمة هذه الاستعانة- كما تقدم، ولا يجوز بيع التماثيل، وما أشبهها من الأصنام، ولا الاحتفاظ بها، بل يجب كسر الصلبان، والأصنام؛ لما رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح يقول: إن الله ورسوله حرَّم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام. وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يترك في بيته شيئاً فيه تصاليب، إلا نقضه. رواه البخاري. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: لا يجوز بيع الأصنام، ولا عملها، كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام. وثبت أنه لعن المصورين، وصانع الصليب ملعون.. لعنه الله ورسوله، ومن أخذ عوضاً عن عين محرمة، مثل أجرة حامل الخمر، وأجرة صانع الصليب، وأجرة البغي، ونحو ذلك، فليتصدق به، وليتب من ذلك العمل المحرم. انتهى.

وقد سبق لنا بيان حكم اقتناء وبيع التماثيل بصفة عامة، في الفتويين: 13941، 14266. وبينا كذلك وجوب إزالة الأصنام في الفتوى رقم: 7458.

ونكتفي بجواب بعض سؤالك؛ التزاما بنظام الموقع من أن على السائل الاكتفاء بكتابة سؤال واحد فقط، وأن السؤال المتضمن عدة أسئلة يجاب السائل على الأول منها فحسب.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني