الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم انتفاع الأولاد بمال أبيهم الذي اقترض بالربا

السؤال

قام أبي برهن سيارتنا عند رجل مقابل 100ألف، واتفقا أن تبقى السيارة مع أبي إلى أجل غير محدود، ولكن عليه أن يدفع مبلغ 5 آلاف كل شهر، واتفقا على أنه يمكنهما فك الرهن في أي وقت عندما يأتي أبي ب 100 ألف، فهل هذه العملية من الربا؟ وهل أصبح مال أبي كله حراما؟ علما بأنه قد صرف 100 ألف في أشياء لا أعرف ما هي منذ أكثر من سنة، وهو الآن يأخذ راتبا من شركة وظف بها مؤخرا، فهل راتبه حلال أم حرام؟ وقد نصحته وقلت له إن الشيوخ يقولون إن هذا حرام، وفيه ربا وعليه تسديد المبلغ، لكنه لا يرد علي، فماذا يجب علي فعله أنا وإخوتي، علما بأنه ليس لدينا معاش يكفينا، وعلينا أعباء مالية ومصاريف للمعيشة والدراسة كبيرة؟ وهل نأكل حراما بأخذنا من راتب أبي؟ وما هو الحل للموضوع؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالعملية المذكورة ربوية بلا شك، لأن حقيقتها أن أباك يدفع مبلغ 5000 شهريا مقابل الدين الذي عليه، وهذا مثل ما كان يقول أهل الجاهلية للمدين: إما أن تقضي، وإما أن تربي ـ وقد جاء القرآن بإبطال هذا النوع من الربا، وإعلان الحرب من الله ورسوله على المتعاملين به، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ {البقرة:278ـ279}.

أما الرهن فيها: فوجوده كعدمه، وما هو إلا حيلة ووسيلة للتغطية على الربا الحاصل، لكن هذا لا يترتب عليه أن أموال أبيك أصبحت حراما عليك وعلى إخوتك، ولا يجوز لك الانتفاع منها، فلا تأثير لما ذكرت في جواز انتفاعك وإخوانك من أموال أبيك، ومبلغ القرض الذي اقترضه والدك لا يحرم التعامل معه فيه، لأن الحرام يتعلق بذمته لا بالمال ذاته.

وأما بخصوص عمله في الشركة المذكورة: فإن كان في مجال مباح ليس فيه حرام ولا إعانة عليه، فلا شيء فيه، وإلا فإنه حرام، وقد يترتب على ذلك حرمة الراتب، وقد لا تترتب عليه بحسب انفكاك جهة الحرمة عن العمل أو عدم انفكاكها.

وعلى أية حال، فإن كان مال أبيكم مختلطا بعضه حرام وبعضه حلال، فجائز لكم الانتفاع به مطلقا، وإن كان كله حراما لم يجز ذلك إلا إذا احتجتم إليه احتياجاً ضرورياً كاحتياج الفقير والمسكين، فلكم ـ حينئذ ـ أن تأخذوا منه بقدر حاجتكم ولا تزيدون عليها، قال النووي في المجموع: وإذا دفعه ـ المال الحرام ـ إلى الفقير لا يكون حراماً على الفقير، بل يكون حلالاً طيباً، وله أن يتصدق به على نفسه وعياله إن كان فقيراً، لأن عياله إذا كانوا فقراء فالوصف موجود فيهم، بل هم أولى من يتصدق عليه، وله هو أن يأخذ قدر حاجته، لأنه أيضاً فقير. انتهى.

وانظر الفتوى رقم: 6880.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني