الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يقع الكفر على الجماعات كما يقع على الأفراد؟

السؤال

هل تقع نواقض الإسلام على الجماعات كما تقع على الأفراد؟ وهل تقع على الحاكم المسلم الذي يحكم بشرع الله فتبطل عنه إسلامه؟
أرجو توضيح ذلك.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالكلام عن نواقض الإسلام ليس بالأمر الهين؛ لأنها تترتب عليها أمور عظيمة، قال الشيخ/ ابن باز في (نواقض الإسلام): ذكر العلماء -رحمهم الله- في باب حكم المرتد أن المسلم قد يرتد عن دينه بأنواع كثيرة من النواقض التي تحل دمه وماله، ويكون بها خارجًا من الإسلام. اهـ.

ولا يصح الحكم بالردة على شخص بعينه لمجرد انتمائه لجماعة ينسب إليها الوقوع في ناقض من نواقض الإيمان، حتى يثبت ثبوتًا شرعيًّا صحة هذه النسبة من جهة، ثم إقرار هذا الشخص نفسه باعتقاده أو فعله لهذا الناقض، ثم النظر بعد ذلك في توفر شروط التكفير فيه، وانتفاء موانعه عنه. وقد سبق لنا في جواب سابق للأخ السائل نفسه بيان أنه إن كان المراد بذلك الحكم بالكفر على أفراد جماعةٍ ما بأعيانهم، فهذا لا بد فيه من توفر شروط التكفير، وانتفاء موانعه، وإن وقعوا في ناقض من نواقض الإسلام حقيقةً. كما أحلناك في هذا الجواب على فتويين لبيان ضوابط التكفير، وخطر الكلام فيه، وأنه ليس كل من وقع في الكفر، وقع الكفر عليه، وذلك في الفتوى رقم: 268657.

وقال الشيخ/ ابن عثيمين في لقاءات الباب المفتوح: لا يجوز لنا أن نقول: فلان كافر. حتى نتحقق من أمرين: - الأمر الأول: ثبوت أن هذا العمل من الكفر، فإن لم نعلم وشككنا، فالأصل أن المسلم باق على إسلامه ولا يحل أن نكفره ... - والأمر الثاني: أن نتحقق من انطباق هذا الوصف على هذا الشخص ... بحيث تتم فيه شروط التكفير، ومن الشروط أن يكون عالمًا، وأن يكون قاصدًا، فإن كان غير عالم فإننا لا نكفره؛ لأنه لم تقم عليه الحجة بعد، كما قال الله تبارك وتعالى: وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولاً يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ [القصص:59]، وقال تعالى: إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ [النساء:163] إلى قوله: رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]، وقال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً [الإسراء:15]، والآيات في هذا المعنى متعددة، فإذا كان الإنسان لا يعلم أن هذا الشيء من الكفر فإننا لا نحكم بكفره. الشرط الثاني: أن يكون الشخص مريدًا لما قال من كلمة الكفر، أو لما فعل ... ولهذا يفرق بين كون المقالة أو الفعالة كفرًا، وبين كون القائل لها أو الفاعل لها كافرًا، قد تكون المقالة أو الفعالة كفرًا، ولكن القائل لها أو الفاعل لها ليس بكافر لعدم انطباق الشروط عليه. ومن ثم نحن نحذر غاية التحذير من التسرع في إطلاق الكفر على قوم لم يتبين فيهم الشروط، أي: شروط التكفير؛ لأنك إذا كفرته فلازم تكفيرك إياه أن تشهد بأنه في النار، فأنت الآن شهدت بالحكم، وبما يقتضيه الحكم، المسألة خطيرة جدًّا، ثم إن الحكم بالتكفير يستلزم بغضه، والبراءة منه، والبعد عنه، وعدم السمع له والطاعة إن كان أميرًا، وما أشبه ذلك مما يترتب على هذه المسألة التي يجب على الإنسان أن يكف لسانه عنها. اهـ.

وإذا اتضح ما سبق؛ اتضح أن باب نواقض الإيمان ليس فيه فرق بين الحاكم والمحكوم من حيث اعتبار النواقض وأثرها في الحكم بالردة. وراجع لمزيد الفائدة مسألة: عذر الجاهل الذي وقع في الكفر تقليدًا لغيره، وذلك في الفتوى رقم: 280069.

وأما الحكم على الجماعات والطوائف والفِرَق بالكفر أو بالوقوع في ناقض من نواقض الإسلام: فإنه من جنس تكفير النوع لا العين، كحكم علماء السلف على غلاة الجهمية والقدرية بالكفر، وقولهم: من قال كذا، فهو كافر! وهذا يعني أنه لو تبنت جماعة معينة ما يقتضي الوقوع في الكفر أو الإتيان بناقض من نواقض الإسلام، فإنه يسوغ الحكم على نوعها بذلك، أما الحكم على شخص معين ممن ينتمي إليها بالكفر أو الردة، فقد سبقت الإشارة إلى ما يلزم في هذه الحال. قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن أهل الأهواء من الخوارج والرافضة: أما تكفيرهم وتخليدهم: ففيه أيضًا للعلماء قولان مشهوران -وهما روايتان عن أحمد-، والقولان في الخوارج والمارقين من الحرورية والرافضة ونحوهم. والصحيح أن هذه الأقوال التي يقولونها التي يعلم أنها مخالفة لما جاء به الرسول كفر، وكذلك أفعالهم التي هي من جنس أفعال الكفار بالمسلمين هي كفر أيضًا. وقد ذكرت دلائل ذلك في غير هذا الموضع؛ لكن تكفير الواحد المعين منهم والحكم بتخليده في النار موقوف على ثبوت شروط التكفير وانتفاء موانعه. فإنا نطلق القول بنصوص الوعد والوعيد والتكفير والتفسيق، ولا نحكم للمعين بدخوله في ذلك العام حتى يقوم فيه المقتضى الذي لا معارض له. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني