الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حسن الظن بالله واجب وإن تعسرت الأمور

السؤال

أنا شاب تخرجت من الجامعة منذ سنتين ونصف تقريبا، وتخرجت منها بدرجة جيد جدا من أفضل جامعة ببلدي، ولكني كنت أعاني من إيجاد وظيفة في بادئ الأمر فلم يتيسر لي ذلك، إلا أن أحد أقربائي في سلطنة عمان ساعدني بالحصول على وظيفة هناك، ولكن أجرها ضعيف بالنسبة لي، ولكني اضطررت للقبول بها لأني لا أجد بديلا، ولكن في هذه الغربة هداني الله لأشياء لم أكن أفعلها من قبل من صلاة في المسجد وحفظ للقرآن، ولكن للأسف هي في يوم العطلة فقط؛ لأنه في باقي الأسبوع تمنعني هذه الوظيفة من هذه الأشياء؛ لأن دوامها طويل وتأخذ كل يومي، فبدأت أدعو الله كثيرا ليرزقني بوظيفة أفضل، ولكن مع مرور الزمن بدأت أشعر بالإحباط واليأس، خصوصا وأن هذه الوظيفة لا تفيدني كثيرا إذا أردت التطور، وبدأت تظهر لي بعض الوساوس من رؤية أصدقائي ومقارنة نفسي بهم وقد تيسرت أمورهم، والهم قد تمكن مني ما أن أنساه مرة فيعاودني مرة ثانية، فما هي الوسائل التي تعينني علي الصبر على هذا؟ خصوصا أنه كلما مرت علي هذه الآية (...فإنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون) أشعر بأن إيماني ضعيف، أفتوني وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يوفقك، وأن يشرح صدرك، وأن يغنيك من واسع فضله، وعليك أن تجاهد نفسك في إحسان الظن بالله سبحانه والثقة به، فهو أهل الفضل والإحسان، وهو القائل سبحانه ـ كما في الحديث القدسي ـ: أنا عند ظن عبدي بي. متفق عليه. وقال ابن القيم: ومن ظن به أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة، وتضرع إليه وسأله، واستعان به وتوكل عليه أنه يخيبه ولا يعطيه ما سأله، فقد ظن به ظن السوء، وظن به خلاف ما هو أهله. اهـ من زاد المعاد.

فأحسن الظن بالله تحسن عاقبتك، ولن يخيب الله عبدا رجاه صادقا في رجائه، واحذر القنوط من رحمة الله واليأس من روحه، فإنهما من المحرمات، قال سبحانه: قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ {الحجر:56}، وقال تعالى: إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ {يوسف:87}.

والله سبحانه أرحم بالعبد من نفسه، وما يقضيه الله لعبده المؤمن فهو خير له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له» أخرجه مسلم، فإذا تيقنت ذلك هان عليك ما أنت فيه.

واعلم أن استجابة الدعاء لا يلزم أن تكون بإعطاء السائل عين ما سأل، بل استجابة الدعاء تكون بإحدى ثلاث وردت في حديث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال: ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن يعجل له دعوته، وإما أن يدخرها في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذن نكثر، قال: الله أكثر. أخرجه أحمد، والحاكم، وصححه الألباني.

وقد يوقن العبد بربه، ويحسن الظن به، ويمنحه الله ما لم يطلبه، ويمنعه ما طلبه، لحكمة يعلمها الله تعالى، قال ابن رجب: ومن أنواع حفظ الله لعبده في دينه: أن العبد قد يسعى في سبب من أسباب الدنيا، إما الولايات أو التجارات أو غير ذلك، فيحول الله بينه وبين ما أراده لما يعلم له من الخيرة في ذلك وهو لا يشعر مع كراهته لذلك.
قال ابن مسعود: إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسر له، فينظر الله إليه فيقول للملائكة: اصرفوه عنه، فإني إن يسرته له أدخلته النار، فيصرفه الله عنه، فيظل يتطير، يقول: سبقني فلان، دهاني فلان، وما هو إلا فضل الله عز وجل. اهـ. من نور الاقتباس .

ونوصيك بأن تكف عن مقارنة حالك بمن هو أرفع منك، فشأن المؤمن أن ينظر إلى من هو دونه في أمر الدنيا، ليزداد تعظيما لنعم الله عليه، فقد أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم.

وفي شرح مسلم للنووي: قال ابن جرير وغيره: هذا حديث جامع لأنواع من الخير لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل ذلك واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى وحرص على الازدياد ليلحق بذلك أو يقاربه هذا هو الموجود في غالب الناس، وأما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها ظهرت له نعمة الله تعالى عليه فشكرها وتواضع وفعل فيه الخير. اهـ.

وانظر بعض الوسائل المعينة على تحقيق الصبر في الفتوى رقم: 203794.

وراجع حول وسائل إصلاح القلب وتقوية الإيمان الفتوى رقم: 10800.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني