الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أصل الصلاة والزكاة والصوم كان مأمورا به في ابتداء البعثة

السؤال

عندي سؤال بخصوص هذا النص:
"فقد أخرج القصة الإمام أحمد في المسند عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك، كنا قومًا أهل جاهلية نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولًا منا، نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نحن نعبد وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة، وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام، قال: فعدد عليه أمور الإسلام، فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به، فعبدنا الله وحده فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا فعذبونا، وفتنونا عن ديننا؛ ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا، وظلمونا، وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك، قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم؟ فقال له النجاشي: فاقرأه علي، فقرأ عليه صدرًا من كهيعص، قالت: فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والله والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا، ولا أكاد..." وحسنه محققو المسند".
كيف يمكننا التوفيق بين ما قاله جعفر بن أبي طالب "أمرنا بالصلاة والزكاة والصيام" وبين وقت نزول الأمر بالصلاة والزكاة والصيام؟ حسب ما أفهم, الهجرة الأولى كانت في السنة الخامسة من البعثة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الصلاة كانت معروفة قبل ليلة الإسراء، وإنما اختصت ليلة الإسراء بفرض الصلوات الخمس ولم تكن مفروضة قبل ذلك، على أن من أهل العلم من يرى أن الصلاة المفروضة قبل ذلك كانت ركعتين أول النهار وركعتين آخره، قال في مواهب الجليل في شرح مختصر خليل: قال ابن حجر: واختلف فيما قبل ذلك... فذهب جماعة إلى أنه لم يكن قبل الإسراء صلاة مفروضة إلا ما وقع الأمر به من صلاة الليل من غير تحديد، وذهب الحربي إلى أن الصلاة كانت مفروضة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، وعليه اقتصر في المقدمات فقال: وكان بدء الصلاة قبل أن تفرض الصلوات الخمس ركعتين غدواً وركعتين عشياً، وروي عن الحسن في قوله تعالى: وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار أنها صلاته بمكة حين كانت الصلاة ركعتين غدوا وركعتين عشياً، فلم يزل فرض الصلاة على ذلك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون بمكة تسع سنين، فلما كان قبل الهجرة بسنة أسرى الله بعبده ورسوله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثم عرج به جبريل إلى السماء، ثم ذكر حديث الإسراء ونحوه في النوادر في أول كتاب الصلاة قال: ومن كتاب ابن حبيب وغيره قال: فرضت الصلوات الخمس ليلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم وذلك بمكة قبل الهجرة بسنة، وكان الفرض قبل ذلك ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي، فأول ما صلى جبريل بالنبي صلى الله عليه وسلم الظهر فسميت الأولى. انتهى.
وكذلك يقال في الزكاة والصيام إن أصل هاتين العبادتين كان مأمورا به في مكة، قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ في تفسيره: لا يبعد أن يكون أصل الزكاة الصدقة كان مأمورا به في ابتداء البعثة، كقوله تعالى: { وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ } [الأنعام: 141]، فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بَيَّن أمرها بالمدينة، ويكون هذا جمعا بين القولين، كما أن أصل الصلاة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة، فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف، فرض الله على رسوله [صلى الله عليه وسلم] الصلوات الخمس، وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك، شيئا فشيئا. انتهى.
وقال رحمه الله أيضا في تفسيره: كان هذا في ابتداء الإسلام يصومون من كل شهر ثلاثة أيام، ثم نسخ ذلك بصوم شهر رمضان، كما سيأتي بيانه، وقد رُوي أن الصيام كان أولا كما كان عليه الأمم قبلنا، من كل شهر ثلاثة أيام عن معاذ، وابن مسعود، وابن عباس، وعطاء، وقتادة، والضحاك بن مزاحم، وزاد: لم يزل هذا مشروعًا من زمان نوح إلى أن نَسَخ الله ذلك بصيام شهر رمضان. انتهى. وراجع الفتوى رقم: 192027.
وننبه السائل إلى أن هذه الواقعة والمحادثة بين النجاشي ـ رحمه الله ـ وجعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ كانت في الهجرة الثانية إلى الحبشة، وقد كانت في السنة الخامسة من بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، قال الذهبي ـ رحمه الله ـ في تاريخ الإسلام: وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ كَانَتْ سَنَةَ خَمْسٍ مِنَ الْمَبْعَثِ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني