الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

شتم ولعن أهل الكتاب.. رؤية شرعية أخلاقية

السؤال

هل لليهود والنصارى حقوق إذا شتمناهم تؤخذ منا يوم القيامة؟
أم إذا شتمناهم ولعناهم لا شيء علينا؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالكافر غير المحارب لا يجوز سبه أو شتمه بغير حق، ومن فعل ذلك كان آثما، وكان للكافر عليه حق، فإن لم يستوفه في الدينا استوفاه في الآخرة، كما دلت عليه الأصول العامة، وكيفية حصول ذلك يوم القيامة لم نقف في خصوصه على شيء، وراجع في ذلك الفتويين التالية أرقامهما: 138173، 258511.
وأما لعن الكافر المعين ففيه خلاف بين أهل العلم، والظاهر أنه لا يجوز، جاء في (الموسوعة الفقهية): الكافر المعين إن كان حيا، فقد ذهب الحنفية والشافعية والحنابلة في المذهب إلى أنه لا يجوز لعنه؛ لأن حاله عند الوفاة لا تعلم، وقد شرط الله تعالى في إطلاق اللعنة الوفاة على الكفر، وذلك في قوله تعالى: {إن الذين كفروا وماتوا وهم كفار أولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين}، ولأنا لا ندري ما يختم به لهذا الكافر، وفي رواية عند الحنابلة وهو قول ابن العربي من المالكية، وفي قول عند الشافعية أنه يجوز لعن الكافر المعين، قال ابن العربي: لظاهر حاله ولجواز قتله وقتاله، أما لعن الكفار جملة من غير تعيين وكذلك من مات منهم على الكفر، فلا خلاف في أنه يجوز لعنهم، لما رواه مالك عن داود بن الحصين أنه سمع الأعرج يقول: ما أدركت الناس إلا وهم يلعنون الكفرة في رمضان، قال القرطبي قال علماؤنا: وسواء كانت لهم ذمة أم لم تكن. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتويين التالية أرقامهما: 56543، 56433.
وهنا ننبه على أن فحش القول ليس من شأن المسلم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء. رواه الترمذي وأحمد، وصححه الألباني. وقال القرطبي في تفسير قوله تعالى: اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى {طه: 43-44}، قال: فينبغي للإنسان أن يكون قوله للناس لينا، ووجهه منبسطا طلقا مع البر والفاجر، والسني والمبتدع، من غير مداهنة، ومن غير أن يتكلم معه بكلام يظن أنه يرضي مذهبه؛ لأن الله تعالى قال لموسى وهارون: {فقولا له قولا لينا} فالقائل ليس بأفضل من موسى وهارون، والفاجر ليس بأخبث من فرعون، وقد أمرهما الله تعالى باللين معه، وقال طلحة بن عمر: قلت لعطاء إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة، وأنا رجل في حدة فأقول لهم بعض القول الغليظ، فقال: لا تفعل! يقول الله تعالى: {وقولوا للناس حسنا} فدخل في هذه الآية اليهود والنصارى، فكيف بالحنيفي. اهـ.
وقال في موضع آخر: القول اللين هو القول الذي لا خشونة فيه... فإذا كان موسى أمر بأن يقول لفرعون قولا لينا، فمن دونه أحرى بأن يقتدي بذلك في خطابه، وأمره بالمعروف في كلامه، وقد قال الله تعالى: {وقولوا للناس حسنا}. اهـ. وراجع لمزيد الفائدة الفتوى رقم: 141821.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني