الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

بيان ضعف حديث وارد في سبب نزول آية: الرجال قوامون على النساء

السؤال

كيف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باجتناب الوجه عند الضرب، وحين جاءت للرسول صلى الله عليه وسلم امرأة تريد القصاص من زوجها لأنه صفعها على وجهها فنزلت الآية: الرجال قوامون على النساء؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الصفع على الوجه لا يجوز بحال، سواء كان ذلك في حال التأديب أو في غيره؛ لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه. واللفظ للبخاري، وعند مسلم: إذا قاتل أحدكم أخاه... قال النووي: وفي رواية: لا يلطمن الوجه. قال العلماء: هذا تصريح بالنهي عن ضرب الوجه لأنه لطيف يجمع المحاسن، وأعضاؤه نفيسة لطيفة وأكثر الإدراك بها، فقد يبطلها ضرب الوجه، وقد ينقصها، وقد يشوه الوجه، والشين فيه فاحش لأنه بارز ظاهر... قال: ويدخل في النهي إذا ضرب زوجته أو ولده أو عبده ضرب تأديب فليجتنب الوجه. انتهى كلام النووي.
وقال ابن حجر في الفتح: والضرب على الوجه حرام. اهـ
ويتأكد ذلك في تأديب النساء لحديث معاوية بن حيدة ـ رضي الله عنه ـ قال: قلت: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه، ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت. رواه أبو داود وقال النووي: حديث حسن، قال صاحب عون المعبود شرح سنن أبي داود: وفيه دليل على وجوب اجتناب الوجه عند التأديب. انتهى.
كما أن ضرب المرأة عموماً لا يشرع للرجل بغير إذن شرعي كالنشوز، على أن يسبقه الوعظ ثم الهجر في الفراش، وعلى أن يكون ضرباً غير مبرح، وقد قال الله تعالى: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا {النساء:34}.

والأولى ترك الضرب مع النشوز لما في الحديث: لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم. رواه أبو داود وصححه الألباني.
ولقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا قط بيده ولا امرأة ولا خادما إلا أن يجاهد في سبيل الله. رواه مسلم.

قال النووي: فِيهِ أَنَّ ضَرْبَ الزَّوْجَة وَالْخَادِم وَالدَّابَّة وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لِلْأَدَبِ فَتَرْكُهُ أَفْضَلُ. اهـ.

وأما عن القصة الواردة في صفع الرجل لامرأته فقد وردت في ذلك روايات ضعيفة من مراسيل الحسن قال السيوطي في لباب النقول (ص: 56): أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستعدي على زوجها أنه لطمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم القصاص فأنزل الله الرجال قوامون على النساء الآية. فرجعت بغير القصاص، وأخرج ابن جرير من طرق عن الحسن وفي بعضها أن رجلا من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص فجعل النبي صلى الله عليه وسلم بينهما القصاص. اهـ

وأخرج الطبري مثلها عن ابن جريج مرسلا أيضا.

وقد نص على تضعيفها الشيخ مصطفى العدوي في سلسلة التفسير (8/ 15) فقال: وقد ورد حديث ضعيف في سبب نزول الآية (أن سعد بن الربيع ضرب زوجته أو لطمها فجاءت تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يجعلها تقاد منه ـ أي: تقتص منه ـ فنزلت الآية: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) [النساء:34] )، ولكن سبب النزول هذا ضعيف. اهـ

وحتى لو صح كون قصة هذا الرجل هي سبب نزول الآية، فإن هذا لا يعني الإقرار على ضرب الوجه، بل إنه يبقى منهيا عنه بسبب النهي الخاص في شأنه كما قدمنا في الأحاديث السابقة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني