الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم طاعة الأئمة من غير قريش

السؤال

إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد جعل الخلافة في قريش فما هو التوجيه الشرعي للخلافة العثمانية، هل هو التغلب؟ وهل وجبت طاعتهم وقتها؟ وهل هم آثمون في إقامة الخلافة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتأمير القرشيين؟
وبارك الله فيكم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد سبق لنا بيان كلام أهل العلم حول حديث: الأئمة من قريش. وأن شرط القرشية كغيره من شروط الإمامة العظمى لا يكون إلا عند الاختيار من قبل أهل الحل والعقد، أما إذا كان تولي الإمام للإمامة بغير هذه الطريقة، فلا يشترط فيه القرشية، كالمتغلب مثلاً، ومن عهد إليه من إمام سابق وخشيت الفتنة إن عُزل، ففي مثل هذه الحالة تجب طاعته في غير معصية، والجهاد معه ونحو ذلك، وله من الحقوق ما للقرشي بنص الأحاديث السابقة والموجبة لطاعة المتغلب وإن لم تكتمل فيه جميع هذه الشروط، وراجع في ذلك الفتوى رقم: 220354.
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين عن وجه الجمع بين حديث: "عليكم بالسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي" وحديث: "الأئمة من قريش"؟ وهل يمكن أو يجوز لعبدٍ حبشي أن يكون إماماً أعظم؟ وهل يوجد في هذا الزمان إمام أعظم؟
فأجاب: نعم، إذا يسر الله للعبد الحبشي أن يكون إماماً أعظم فليكن إماماً أعظم، والرسول عليه الصلاة والسلام إنما قال ذلك في الاختيار، إذا أردنا أن نختار إماماً للمسلمين فلنختر من قريش، ولكن مِن قريش مَن؟ الذين قاموا بالدين، أما مجرد الانتساب لقريش أو إلى الرسول عليه الصلاة والسلام فإنه ليس بفضيلة إلا إذا اقترن بالدين، لو جاءنا رجل من قريش وقال: إنه أحق بالإمامة من غيره وهو فاسق، قلنا: لا، لأن من شرط الإمامة عند ابتداء الاستخلاف: أن يكون عدلاً، لكن لو أن أحداً قهر الناس وحكمهم فإنه يجب له السمع والطاعة، ولو كان عبداً حبشياً كأن رأسه زبيبة، ففرق بين الاختيار وبين أن يسطو أحد ويستولي على الناس بقوته، فهنا نقول: نسمع ونطيع ولا ننابذ إلا أن نرى كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان.
ولا يوجد إمام أعظم، وهذا من زمان، الإمامة العامة فقدت من وقت وعهد الصحابة رضي الله عنهم، ألم تعلم أن عبد الله بن الزبير كان خليفةً في مكة والحجاز، وأن بني أمية في الشام وما والاها، وأن فرقة أخرى في العراق؟ لكن من تولى على قطعة من الأرض وصار إمامها فهو إمام. اهـ.
ومما يذكر هنا أن لقب الخلافة لم يتخذه أمراء آل عثمان من أول نشأة دولتهم، بل كانوا إلى عهد السلطان سليم لا يلقَّبون إلا بالسلطنة، حتى تنازل آخر خلفاء العباسيين عن هذا اللقب للسلطان سليم بعد دخوله للديار المصرية، فيما قيل، والله أعلم. قال العصامي في (سمط النجوم العوالي): استمر المستمسك بالله خليفة إلى أن كبرت سنه وكف نظره ودخلت أيام الدولة العثمانية وافتتحت الديار المصرية، فأخذه السلطان سليم معه إلى إسطنبول واستمر بها إلى أن مات السلطان سليم ثم عاد إلى مصر فخلع، وولي ولده المتوكل علي بن المستمسك في شعبان سنة أربع عشرة وتسعمائة، واستمر خليفة إلى أن توفي ثاني عشر شعبان سنة خمس وتسعين وتسعمائة .. وبموته انقطعت الخلافة الصورية أيضا بمصر. اهـ.
وقال الأستاذ محمد فريد في (تاريخ الدولة العلية العثمانية): ومما جعل لفتح وادي النيل أهمية تاريخية عظمى أن محمد المتوكل على الله آخر ذرية الدولة العباسية الذي حضر أجداده لمصر بعد سقوط مدينة بغداد مقر خلافة بني العباس في قبضة هولاكو خان التتري سنة 656 هـ سنة 1091 م. وكانت له الخلافة بمصر اسما تنازل عن حقه في الخلافة الإسلامية إلى السلطان سليم العثماني، وسلمه الآثار النبوية الشريفة وهي البيرق والسيف والبردة وسلمه أيضا مفاتيح الحرمين الشريفين، ومن ذلك التاريخ صار كل سلطان عثماني أميرا للمؤمنين وخليفة لرسول رب العالمين اسما وفعلا. اهـ.
وقال الدكتور الصلابي في كتابه (الدولة العثمانية): إن مسألة انتقال الخلافة الى آل عثمان ترتبط بالفتح العثماني لمصر، وقد قيل: إن آخر الخلفاء العباسيين في القاهرة قد تنازل لسليم عن الخلافة، فالمؤرخ ابن إياس المعاصر لضم العثمانيين لمصر لم يتطرق إليها، كما أن الرسائل التي أرسلها السلطان سليم الى ابنه سليمان لم ترد فيها أية إشارة لتنازل الخليفة عن لقبه للسلطان، كما أن المصادر المعاصرة لا تشير الى مسألة نقل الخلافة إلى آل عثمان الذين لا ينتسبون إلى الرسول. إن الواقع التاريخي يقول بأن السلطان سليم الأول أطلق على نفسه لقب "خليفة الله في طول الأرض وعرضها" منذ عام 1514م (920هـ) أي قبل فتحه للشام ومصر وإعلان الحجاز خضوعه لآل عثمان. فالسلطان سليم وأجداده كانوا قد كسبوا مكانة عظيمة تلائم استعمال لقب الخلافة في الوقت الذي كان فيه مركز الخليفة في القاهرة لا يعتد به، كما أن فتوح سليم أكسبته قوة ونفوذاً معنوياً ومادياً وخصوصاً بعد دخول الحرمين الشريفين تحت سلطانه وأصبح السلطان العثماني مقصداً للمستضعفين المسلمين الذين يتطلعون الى مساعدته بعد أن هاجم البرتغاليون الموانئ الإسلامية في آسيا وإفريقيا، ملخص المبحث أن السلطان سليم لم يكن مهتماً بلقب الخلافة، وكذلك سلاطين آل عثمان من بعده، وأن الاهتمام بهذا اللقب قد عاد بعد ضعف الدولة العثمانية. اهـ.

وأيا ما كان، فسلطة العثمانيين كانت سلطة شرعية، وقد قاموا في عهد قوتهم بالدفاع عن الإسلام والمسلمين، في مواجهة الصليبيين والصفويين، ولهم في ذلك أعمال جليلة يشكرون عليها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني