الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تأويل قوله تعالى: (وأمر بالعرف) وما يدخل فيه ويشمله

السؤال

(خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين) هل يجوز تفسير العرف على أنه عرف العصر؟ وأنا أعلم أن بعض الأحكام الفقهية تبنى على العرف؛ مثل: نفقة المرأة، وما كان في العرف سفر فهو سفر في قوله تعالى: (ومن كان مريضًا أو على سفر).

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمراد بالعرف ما تعارفه الناس في كل عصر بشرط أن لا يتناقض مع نص من نصوص الوحي، ولا مع إجماع أهل العلم؛ قال المرداوي في التحبير شرح التحرير (8/ 3851): من القواعد: أن العادة محكمة، أي: معمول بها شرعا لحديث: "ما رآه المؤمنون حسنًا فهو عند الله حسن"، لكن لا يصح، وإنما هو منقول عن ابن مسعود موقوفًا عليه. وللقاعدة أدلة أخرى غير ذلك، منها: قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف} [الأعراف: 199]، قال [ابن السمعاني]: المراد ما يعرفه الناس ويتعارفونه فيما بينهم.

قال ابن عطية: "معناه: كل ما عرفته النفوس مما لا ترده الشريعة".

قال ابن ظفر في "الينبوع": "العرف ما عرفه العقلاء بأنه حسن، وأقرهم الشارع عليه".

ويدخل في هذا ما تعارفوا عليه في النفقات والسفر وغير ذلك؛ قال المرداوي: وكل ما تكرر من لفظ المعروف في القرآن نحو: {وعاشروهن بالمعروف} [النساء: 19]، فالمراد ما يتعارفه الناس من مثل ذلك الأمر. ومنها: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستئذنكم الذين ملكت أيمانكم} الآية [النور: 58]، فالأمر بالاستئذان في الأوقات التي جرت العادة فيها بالابتذال ووضع الثياب، فابتنى الحكم الشرعي على ما كانوا يعتادونه. ومنها: قوله -صلى الله عليه وسلم- لهند: "خذي ما يكفي وولدك بالمعروف"... اهـ.

وجاء في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (12/ 16): (باب من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم في البيوع والإجارة والمكيال والوزن وسننهم على نياتهم ومذاهبهم المشهورة)

أي: هذا باب يذكر فيه من أجرى أمرها إلى الأمصار على ما يتعارفون بينهم، أي: على عرفهم وعوائدهم في أبواب البيوع والإجارات والمكيال، وفي بعض النسخ: والكيل والوزن مثلًا بمثل، كل شيء لم ينص عليه الشارع أنه كيلي أو وزني يعمل في ذلك على ما يتعارفه أهل تلك البلدة، مثلًا: الأرز فإنه لم يأت فيه نص من الشارع أنه كيلي أو وزني، فيعتبر في عادة أهل كل بلدة على ما بينهم من العرف فيه، فإنه في البلاد المصرية يكال، وفي البلاد الشامية يوزن، ونحو ذلك من الأشياء، لأن الرجوع إلى العرف جملة من القواعد الفقهية.

قوله: (وسننهم) عطف على ما يتعارفون بينهم، أي: على طريقتهم الثابتة على حسب مقاصدهم وعاداتهم المشهورة.

وحاصل الكلام: أن البخاري قصد بهذه الترجمة إثبات الاعتماد على العرف والعادة. اهـ.
وفي الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص: 280):
العرف العملي أو الفعلي: وهو ما جرى عليه عمل الناس في تصرفاتهم واعتيادهم على شيء من الأفعال العادية أو التصرفات المنشئة للالتزامات.

من أمثلة العرف العملي: اعتياد الناس تعطيل بعض أيام الأسبوع عن العمل، وكاعتيادهم أكل نوع خاص من المآكل أو استعمال نوع من الملابس أو الأدوات.

تعارف بعض البلدان والأقطار تقسيم المهر في الزواج إلى مقدم ومؤخر، وإن الذي يجب دفعه قبل الزواج هو المقدم، وأما الثاني فلا يجب إلا بالموت أو الطلاق أيهما أقرب. وتعارف الناس تقديم الأجرة قبل استيفاء المنفعة في إجارة الأماكن شهريًّا أو سنويًّا.

اعتياد بعض الناس عند بيع الأشياء الثقيلة أن تكون حمولتها إلى مكان المشتري على البائع. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني