الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

وجوب رد المال المأخوذ بغير حق إلى ورثة صاحبه بعد موته

السؤال

أعتذر عن الطول ولكن المسألة تحتاج لتوضيح.
كان لي خالة من 1940 لم تتزوج إلى أن ماتت 2013، ورغم غرابة تصرفاتها لم يهتم أحد لتفاصيل شخصيتها، وفي 2007 وبعد وفاة جدتي وكانت في 67 ونظرا لاستحالة عيشها بمفردها انقسمت معيشتها معنا ومع بيت خالي الكبير، وعندها اكتشفنا شخصية احتار الجميع في إيجاد أسلوب مناسب للتعامل معها.
1ـ من ناحية الدين: لم تصل ولا يوما واحدا في حياتها، ورغم كل محاولاتنا رفضت بحجة عدم الاستطاعة برغم سلامة جسمها، لا تحب سماع القرآن ولا الحديث، في أمور الدين أحيانا تقول أشياء توحي بشكها في وجود الله، لم نسمعها مرة تنطق الشهادتين حتى إن طلبنا منها ذلك، أما الحديث عن الناس وشؤونهم فهذا يعجبها.
2ـ لا تتحدث معنا إلا نادرا، وتتحدث مع نفسها كثيرا بصوت منخفض نسمعه، ولكن من النادر أن نفهم ما تقول.
3ـ النظافة: لا يهمها تنظيف نفسها ترفض الاستحمام وتغيير ملابسها، لا تستنجي من البول ولو بقيت سنة دون استحمام، لا تقلق بدعوى أنها غير نظيفة، وترفض وضع العطور ومزيلات العرق.
4ـ تكذب كثيرا بسبب أو من دونه، تفعل الأشياء وتنكر فعلها، وتبدأ بالحلف بالله الذي لا تذكره إلا في هذا الموضع.
5ـ المرض: كانت تعاني من مرض الربو وترفض تناول الدواء، وتفضل السعال الذي يقطع الأنفاس على الدواء.
ـ كل ما يخص النظافة والدواء كنا نضطر إلى الصراخ عليها، وأحيانا استعمال الدفع والقوة معها كل هذا وغيره كثير.
ـ لا أحد فهم طبيعة شخصيتها وكل ما خلصت إليه تحليلاتنا هو الآتي:
ولدت جدتي ولدا ثم ولدتها ومات الولد، وظلت جدتي يموت لها من تلدهم من 1940 إلى 1948 واعتبرتها جدتي نحسا، وظلت تسبها وتعيرها بذلك، وهذه المعاملة الظالمة يبدو أنها أثمرت حقدا لدى خالتي، ويبدو أنها كانت تنتظر الزواج للتخلص من هذا الوضع، ولكن عندما جاء من يطلبها للزواج رفضت جدتي بشدة بتعلة عدم مهارتها في شؤون المنزل، وهذا سيجلب لهم ضحك الناس فازداد حقدها، خاصة بعدما تزوج جميع إخوتها، واختارت الطريق السلبي، وحقدت على كل من يحيط بها، (حتى الله سبحانه يبدو شكها في وجوده أنه لم ينصفها في نظرها من هذا الظلم والله أعلم).
ـ اختارت التقوقع حول نفسها ورفض الاندماج مع العائلة والمجتمع.
ـ فعل عكس ما يطلب منها وكل ما يثير غضب من يحيطون بها.
ـ الشماتة في كل من يمرض من عائلتها ودائما تدعو عليهم بالموت.
ـ وهناك العديد من التصرفات غير التي ذكرتها سالفا.
هي توفيت في خريف 2013، ولحظات موتها كانت غريبة كما روت لنا عائلة خالي، لقد تكور جسدها كتلة واحدة وتغير لونها، ولولا أنهم ضغطوا على أطرافها لإطلاقها لبقيت كرة واحدة.
ـ لدي سؤالان أرجو الإجابة عنهما:
1ـ ما حكم معاملتنا جميعا أنا وأمي وعائلة خالي معها لتنظيف نفسها وأخذ الدواء.
2ـ هي تركت مبلغا من المال عندنا، وكنت قد صرفته في مرضي، ولكن دون إذنها نظرا لطبيعة شخصيتها، وماتت ولم أتمكن من إعادة المبلغ إلى الآن، ولكني أجمعه تدريجيا نظرا لصعوبة ظروفي المادية ومرضي، ما حكم هذا المال حسب شخصيتها؟ وكيف أتصرف فيه بعد إتمام جمعه بإذن الله؟
أفيدوني أثابكم الله، وجزاكم الله خيرا على سعة صدوركم.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا شك أن ما ذكرتم من حال هذه المرأة يدعو للحيرة، وإلى الاستعاذة بالله مما أصابها، نسال الله السلامة والعافية.

والذي يظهر ـ من خلال التفاصيل الواردة في السؤال ـ أنها كانت تعاني من أمراض نفسية معينة، فإن كانت تلك الأمراض قد جعلتها تفقد عقلها بالكلية، فإنها ـ والحال هذه ـ غير مخاطبة بفروع الشريعة؛ لأن العقل هو مناط التكليف، ومن ثم فلا بأس باستعمال الوسائل الممكنة ـ من رفع الصوت ونحو ذلك ـ لحملها على ما فيه مصلحتها مثل النظافة واستعمال الدواء ونحو ذلك، يقول الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ: ـ بشأن ضرب المجنون ـ فإذا كان ضربه للتأديب مفيداً فلا بأس بضربه كما في الصغير، وإذا كان غير مفيد فلا يجوز لأنه إيلام بلا فائدة. اهـ

وما دون الضرب من باب أحرى.
وإن كانت تلك الأمراض لم تُفقدها عقلها، بل ظلت تدرك الأمور وتميز الأشياء فإنها ـ في هذه الحالة ـ مخاطبة بفروع الشريعة، والأصل أنها محكوم بإسلامها حتى يثبت خروجها من الملة بلفظ صريح أو قول يقتضيه أو فعل يتضمنه، وأما عن تركها للصلاة فإن كانت جاحدة لوجوبها فذلك مخرج لها عن الملة، وإن كانت مقرة بوجوبها، فقد اختلف أهل العلم هل تخرج بذلك من الملة أم لا؟ والذي عليه الجمهور أن تارك الصلاة كسلا لا جحودا ليس بكافر، وتراجع الفتوى رقم: 60955.

وحيث حكم بعدم كفرها فإنها تعامل معاملة المسلمين في جميع الأحكام الشرعية التي تخص المسلمين.

وبخصوص أخذ مالها على الوجه المذكور فلا يجوز مطلقا؛ لأنها إن كانت عاقلة فلا بد من إذنها، وهو ما لم يحصل، وإن كانت غير عاقلة، فإن تصرف الوصي في مالها منوط بما فيه لها مصلحة، جاء في الموسوعة الفقهية: لا خلاف بين الفقهاء في أنه لا يجوز للولي أن يتصرف في مال المحجور إلا على النظر والاحتياط، وبما فيه حظ له واغتباط؛ لحديث: "لا ضرر ولا ضرار"، وقد فرعوا على ذلك أن ما لا حظ للمحجور فيه كالهبة بغير العوض والوصية والصدقة والعتق والمحاباة في المعاوضة لا يملكه الولي، ويلزمه ضمان ما تبرع به من هبة أو صدقة أو عتق، أو حابى به أو ما زاد في النفقة على المعروف، أو دفعه لغير أمين، لأنه إزالة ملكه من غير عوض فكان ضررا محضا. اهـ.

وبالتالي فإن عليك ـ مع التوبة إلى الله ـ أن تردي ما أخذت من مالها إلى ورثتها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني