الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم العمل فيما فيه إعانة على أكل أموال الناس بالباطل

السؤال

أعمل محاسبا لدى مؤسسة تشارك أشخاصا في الأعمال بنسبة من الأرباح، وكان المتفق عليه أن تسجل المصروفات المباشرة فقط على المشروع، ويتم خصمها من الإيرادات وتوزيع الأرباح بعد نهاية المشروع ومصاريف المكتب والإدارة، وغير المباشرة تتحملها المؤسسة. ولكن صاحب المؤسسة طلب مني أن أدخل مصروفات الإدارة والمكتب على المشاريع بنسبة معينة ويتحملها الشركاء معنا من دون علمهم؛ وذلك لأن أرباح المؤسسة قليلة ومصاريف الإدارة كثيرة، وقد قمت بإفادة مدير المؤسسة بأنني أشك في حرمة ذلك، فقال لي افعل ذلك وأنا أتحمل أي حرمة، فهل بذلك يكون علي ذنب، مع العلم أنني لو تركت العمل فليس عندي عمل آخر، وهو مصدر دخلي الوحيد؟.
أفيدونا أفادكم الله.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذه المصروفات غير المباشرة، إما أن تكون متعلقة بالمشروع أو لا، فإن كانت متعلقة بالمشروع، فإن شأنها شأن المصروفات المباشرة، ولا يجوز اشتراط تحميلها على المؤسسة، وإنما يتحملها الجميع على حسب نسب رؤوس أموالهم، وانظر الفتوى رقم: 270352.

ومن ثم، فلا يلزم المؤسسة الوفاء بذلك الشرط، لحديث: المسلمون على شروطهم، إلا شرطا حرم حلالا، أو أحل حراما. أخرجه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح.

أما إن كانت غير متعلقة بالمشروع: فلا يجوز تحميلها على المشروع أصلا، ولو رضي الشركاء بذلك، لأنه بمنزلة اشتراط فضل دراهم للمؤسسة، وهذا يبطل الشراكة بينها وبين سائر الشركاء، وقد جاء في المغني لابن قدامة: ولا يجوز أن يجعل لأحد من الشركاء فضل دراهم، وجملته أنه متى جعل نصيب أحد الشركاء دراهم معلومة، أو جعل مع نصيبه دراهم، مثل أن يشترط لنفسه جزءا وعشرة دراهم، بطلت الشركة، قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على إبطال القراض إذا شرط أحدهما أو كلاهما لنفسه دراهم معلومة، وممن حفظنا ذلك عنه مالك، والأوزاعي والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. اهـ.

وعلى هذا التقدير الأخير، فيلزمك ترك العمل المذكور، لما فيه من إعانة على معاملة محرمة، فضلا عن الغش وأكل أموال الشركاء بالباطل، وهذه كلها ألوان من الإعانة على الإثم، وقد قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ {المائدة:2}.

وقول المدير بأنه متحمل لأي حرمة لا يغني عنك شيئا، فكلاكما شريكان في الإثم، فهو آثم بأمره لك، وأنت آثم بطاعتك له، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعلى هذا، فلا يجوز لك البقاء في ذلك العمل، اللهم إلا لضرورة ملجئة، فحينئذ يجوز لك الاستمرار فيه بقدر الضرورة، مع وجوب البحث الجاد عن عمل آخر مباح، وانظر الفتويين رقم: 121861، ورقم: 101803.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني