الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حول آية الوضوء ومسألة الاكتفاء مسح القدمين

السؤال

هل هناك قراءة منسوخة في مسح القدمين في الوضوء؟ وكيف نسخت؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا نعلم قراءة أو آية في مسح القدمين في الوضوء منسوخة أو محكمة، غير آية الوضوء المعروفة، وهي محكمة قطعًا ولا نسخ فيها؛ وهي قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ .. [الآية: 6 المائدة].
ولعلك تقصد بالنسخ هنا اختلاف القراء في قوله تعالى "وأرجلَكم"؛ فقد قرأها نافع، وابن عامر، والكسائي، وحفص عن عاصم: بفتح اللام عطفًا على المغسول من الأعضاء -الوجه واليدين-، وقرأها ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وشعبة عن عاصم: وأرجلِكم بكسر اللام عطفًا على الممسوح -الرأس-.
قال الشنقيطي في أضواء البيان: "وَإِنَّمَا أُدْخِلَ مَسْحُ الرَّأْسِ بَيْنَ الْمَغْسُولَاتِ مُحَافَظَةً عَلَى التَّرْتِيبِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ يُمْسَحُ بَيْنَ الْمَغْسُولَاتِ".
وأما حكم غسل الرجلين: فهو الوجوب، وهو الذي عليه جماهير العلماء من السلف والخلف والأئمة الأربعة، ودلت عليه الأحاديث النبوية الصحيحة، وتواتر عليه فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي أمره الله تعالى ببيان القرآن الكريم؛ فقال تعالى: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ {النحل:44}. فبين صلى الله عليه وسلم ما جاء في هذه الآية بقوله وفعله؛ فلم يخالف في وجوب غسل الرجلين إلا من شذّ أو من لا يعتد بخلافه؛ قال الإمام النووي -رحمه الله تعالى- في المجموع: "فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ وَغَيْرُهُ. وَقَالَتْ الشِّيعَةُ الْوَاجِبُ مَسْحُهُمَا، وَحَكَى أَصْحَابُنَا عَنْ محمد بن جرير أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ غَسْلِهِمَا وَمَسْحِهِمَا، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ الْجُبَّائِيّ الْمُعْتَزِلِيِّ، وَأَوْجَبَ بَعْضُ أَهْلِ الظَّاهِرِ الْغَسْلَ وَالْمَسْحَ جَمِيعًا".
وقال الشنقيطي: "و قِرَاءَةَ: وَأَرْجُلَكُمْ، بِالنَّصْبِ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، فَهِيَ تُفْهِمُ أَنَّ قِرَاءَةَ الْخَفْضِ إِنَّمَا هِيَ لِمُجَاوَرَةِ الْمَخْفُوضِ مَعَ أَنَّهَا فِي الْأَصْلِ مَنْصُوبَةٌ بِدَلِيلِ قِرَاءَةِ النَّصْبِ، وَالْعَرَبُ تَخْفِضُ الْكَلِمَةَ لِمُجَاوَرَتِهَا لِلْمَخْفُوضِ، مَعَ أَنَّ إِعْرَابَهَا النَّصْبُ، أَوِ الرَّفْعُ".
وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: "وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ بَعْدَ عَصْرِ التَّابِعِينَ عَلَى وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وَلَمْ يَشِذَّ عَنْ ذَلِكَ إِلَّا الْإِمَامِيَّةُ مِنَ الشِّيعَةِ".

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني