الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

السؤال

أرجو منكم تحري الدقة قبل الإجابة على هذا السؤال لأن مصابنا أليم.
إحدى قريباتنا تزوجت في سن كبيرة وانتظرت أكثر من 3 سنوات حتى حملت وكانت في اشتياق رهيب للإنجاب، أصيبت باكتئاب شديد أثناء الحمل خوفا من عدم اكتمال حملها، لكن اكتمل الحمل وأنجبت ولدا، من فرط انتظارها وشوقها للولد وخوفها عليه أصيبت بحالة اكتئاب مزمنة، وأصابتها هواجس وهلاوس عن الموت وفقدان الطفل وأصبحت تخاف أن تنام خوفا من أن يصيب المولود مكروه، وأصبحت تصاب بتأنيب الضمير مسبقا خوفا من أن يصيبه مكروه، فأصبحت تخاف أن تشرب الماء خوفا من أن تكون مسممة، فامتنعت عن الأكل والشرب والدواء، حتى فقدت 50 كيلو من وزنها، وأصبحت هيكلا عظميا، وعرضت على أطباء نفسيين وصفوا لها أدوية لم تفلح معها، وكانت غير منتظمة وترفض أخذها، وكانت لا تستطيع النوم حتى إن الحقن المنومة التي تنوم يوما كاملا كانت لا تجدى معها وتستيقظ بعد نصف ساعة، ثم قرر آخر طبيب إيقاف العلاج فجأة فتدهورت حالتها جدا لدرجة أنها حاولت الانتحار بطرق صعبة جدا مثل السقوط من الشرفة والتعرض للصعق الكهربائي وغيرها من الطرق القاسية جدا، إلى أن تدهورت الحالة جدا وكانت وحدها فألقت بنفسها من الشرفة وتوفيت على الفور، الأطباء قالوا بأنها لم تكن في وعيها بسبب مرضها، وأنها لا تستطيع السيطرة على الأفكار المرضية التي أصابتها، وأن هذا المرض عقلي نتيجة لتغير كيمياء المخ وهرمونات الجسم.
السؤال: هل تعتبر هذه المرأة منتحرة؟ وهل موتها بهذه الطريقة كفر، أم أنها شهيدة لأنه مرض مرتبط بالنفاس وليس لها سيطرة عليه؟.
وأرجو أيضا أن يرد علينا طبيب نفسي يعرف هذه الحالة جيدا ويفيدنا بحكم وفاة هذه المرأة.
وهل المسؤولية على زوجها وأهلها حيث أن أهلها لم يتحملوا هلاوسها وتركوها تذهب لمنزل الزوجية مع زوجها فاستغلت نزوله للعمل وألقت بنفسها من الشرفة.
وأيضا سؤال آخر حيث أن زوجها طبيب نفسى مبتدئ وكانت لديه امتحانات في محافظة أخرى وتركها مدة النفاس عند أهلها حتى بلغ الطفل 3 شهور ووصف لها العلاج ولم تنتظم عليه، حتى أخذتها والدتها لطبيب آخر هو من وصف لها العلاج الذي دهور حالتها ووقفه فجأة فأدى إلى آثار جانبية عنيفة تطورت إلى هلاوس وإحساس بالذنب تجاه الطفل وتفكير دائم في الانتحار.
وإذا كانت تعاني في زواجها وزوجها يعاملها بعصبية وتعرضت للطلاق أكثر من مرة، هل يكون هذا سببا في زيادة نسبة تعرضها للاكتئاب وزيادة حدته؟ أم أن هذا المرض جيني ووراثي غير مرتبط بحالتها النفسية قبل الحمل.
علما بأن زوجها كان ينوي إلحاقها بمستشفى نفسي للعلاج المكثف بعد أن ينتهي من الامتحانات، ولكنها انتحرت قبل أن يتم امتحاناته ب 3 أيام فقط!! فهل قصر في حقها حيث أن أحدا لم يتصور التطور السريع جدا للحالة خاصة فى آخر أسبوعين؟.
فهل الزوج مسؤول؟ وهل الأهل مسئولون لتركهم لابنتهم وحدها بالمنزل؟ وما السبيل للتكفير عن ذنبها إن كانت مذنبة؟ وذنبهم إذا كانوا مذنبين؟.
عذرا للإطالة ونسألكم الدعاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله تعالى أن يغفر لهذه المرأة وأن يرحمها رحمة واسعة. وأن يتولى أمر وليدها وأن يلهم أهلها الصبر والرشاد.
وأما تفصيل جواب كل ما سألت عنه، فلا يمكننا القيام به؛ لأن ذلك يتطلب معرفة تفاصيل لم تذكر في السؤال، كحال هذه المرأة هل وصل إلى فقد العقل أم لا؟ والذي يسعنا بيانه يمكن إجماله في الآتي:
1 ـ المرض النفسي ليس رافعا للتكليف عن صاحبه مطلقا، بل تعامل كل حالة بحسبها، فإذا بلغ المرض أن يسلب الإنسان اختياره أو يختل به عقله، كان رافعا للتكليف، ويكون حكمه حينئذ حكم الجنون، وراجعي في ذلك الفتويين التالية أرقامهما: 290143، 67052.
2 ـ المكلف المنتحر رغم اقترافه لكبيرة شنيعة، إلا أنه ليس بكافر، بل يموت موحدا وتجري عليه أحكام المسلمين، فيصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، ويشرع الدعاء له والاستغفار، وراجعي في ذلك الفتويين التالية أرقامهما: 12658، 48774.
3 ـ المجنون ومن في حكمه من المحجور عليهم، يجب على أوليائه حفظه ورعايته، ولا يجوز لهم أن يخلوا بينه وبين ما يضره، جاء في (الموسوعة الفقهية): نص الفقهاء على أنه يلزم على ولي المجنون والمجنونة تدبير شئونه ورعاية أموره بما فيه حظ المجنون، وبما يحقق مصلحته، فينفق عليه في كل حوائجه من ماله بالمعروف، ويداويه ويرعى صحته، ويقيده ويحجزه عن أن ينال الناس بالأذى أو ينالوه به إن خيف ذلك منه، صونا له، وحفظا للمجتمع من ضرره. اهـ.
ثم إنه يمكنك لمزيد الفائدة والإيضاح مراسلة قسم الاستشارات عندنا .
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني