الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

القول الصحيح في عودة الضمير في قوله تعالى: فأوحى إلى عبده...

السؤال

ورد في سورة النجم، تفسير الطبري: وأولى القولين في ذلك عندنا بالصواب، قول من قال: معنى ذلك: فأوحى جبريل إلى عبده محمد صلى الله عليه وسلم، ما أوحى إليه ربه؛ لأن افتتاح الكلام جرى في أول السورة بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن جبريل عليه السلام، وقوله: (فأوحى إلى عبده ما أوحى) في سياق ذلك، ولم يأت ما يدل على انصراف الخبر عنهما، فيوجه ذلك إلى ما صرف إليه.
ألا يوجد خطأ هنا في قول: فأوحى جبريل إلى عبده محمد؟ فمحمد صلى الله عليه، وآله، وصحبه أجمعين هو عبد الله تعالى، وليس عبدا لسواه؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنه لا يوجد خطأ في هذا الكلام؛ لأن الضمير في الآية، وفي كلام الطبري، راجع إلى الله تعالى، ولا إشكال في عود الضمير على الله ولو لم يذكر؛ فإنه يكثر في القرآن، وفي كلام العرب رجوع الضمير لما لم يذكر إذا كان معلوما للسامع، كما في قوله تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ {النحل:61}، فالضمير في (عليها) عائد على الأرض. ومثله قوله: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ {فاطر:45}، وقوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ {الرحمن:26}، وهو كذلك يعود على الأرض.
وكذا قوله تعالى: فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا {العاديات:4-5}، فالضمير في (به) يعود على المكان لدلالة (العاديات) عليه.
وقال الألوسي في روح المعاني: فَأَوْحى: أي جبريل عليه السلام، إِلى عَبْدِهِ أي عبد الله، وهو النبي صلّى الله عليه وسلم، والإضمار -ولم يُجر له تعالى ذكراً- لكونه في غاية الظهور، ومثله كثير في الكلام، ومنه: (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) [فاطر: 45]. وقوله سبحانه: (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) [القدر: 1] (ما أَوْحى) أي الذي أوحاه، والضمير المستتر لجبريل عليه السلام أيضا.... اهـ.

وفي تفسير النسفي: فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى: {فأوحى} جبريل عليه السلام {إلى عَبْدِهِ} إلى عبد الله، وإن لم يجر لاسمه ذكر؛ لأنه لا يلتبس كقوله: مَا تَرَكَ على ظهرها. اهـ.

وقال الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان، في إيضاح القرآن بالقرآن: تنبيه: قوله: ما ترك عليها من دابة [النحل: 61] ، الضمير في «عليها»، راجع إلى غير مذكور وهو الأرض; لأن قوله: "من دابة" يدل عليه; لأن من المعلوم: أن الدواب إنما تدب على الأرض. ونظيره قوله تعالى: (ما ترك على ظهرها من دابة ) [فاطر: 45] ، وقوله: (حتى توارت بالحجاب) [ص: 32]، أي: الشمس، ولم يجر لها ذكر، ورجوع الضمير إلى غير مذكور، يدل عليه المقام، كثير في كلام العرب.

ومنه قول حميد بن ثور:

وصهباء منها كالسفينة نضجت ... به الحمل حتى زاد شهرا عديدها.

فقوله: «صهباء منها»، أي: من الإبل، وتدل له قرينة «كالسفينة» مع أن الإبل لم يجر لها ذكر.

ومنه أيضا قول حاتم الطائي:

أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

فقوله: «حشرجت، وضاق بها» يعني النفس، ولم يجر لها ذكر; كما تدل له قرينة «وضاق بها الصدر».

ومنه أيضا قول لبيد في معلقته:

حتى إذا ألقت يداً في كافر ... وأجن عورات الثغور ظلامها.

فقوله: «ألقت»، أي: الشمس، ولم يجر لها ذكر، ولكن يدل له قوله: وأجن عورات الثغور ظلامها. لأن قوله: «ألقت يدا في كافر»، أي: دخلت في الظلام.

ومنه أيضا قول طرفة في معلقته:

على مثلها أمضي إذا قال صاحبي ... ألا ليتني أفديك منها وأفتدي.

فقوله: «أفديك منها»، أي: الفلاة، ولم يجر لها ذكر، ولكن قرينة سياق الكلام تدل عليها. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني