الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الحزن على أحوال المسلمين بما يؤثر على سلوك المسلم سلبا مع من حوله

السؤال

لا أستطيع أن أعبرعن مقدار ما في صدري من حزن وألم ومرارة على حال المسلمين وكثرة الظلم وعجزي وإحساسي بالقهر ، وهذا الحزن والبكاء الذي نغص علي حياتي، وأزعج زوجي، وأصبحت شديدة العصبية مع أبنائي، وأعلم أن كل هذا بقدر الله، وأن هذا من الابتلاء والتمحيص، وأن الدنيا دار ابتلاء، وأن هذا رفعة في الدرجات، ولابد أن يأتي يوم يقتص الله فيه للمظلوم، وكل مقتول نرجو أن يكون عند الله من الشهداء، وكل مصاب سيعوضه الله خيرا في الدنيا والآخرة، وأن غمسة واحدة في الجنة ستنسي كل هذا الألم، لكنني لا أستطيع أن أتجاهل ما يحدث حولي، فكلما أكلت طعاما أتذكر إخواني في سوريا وغزة وجوعهم وحصارهم، وكلما رأيت أبنائي وأخذتهم في حضني تذكرت مئات، بل آلاف الأمهات الثكالى والمكلومات على أبنائهن ظلما وعدوانا، وشماتة الناس في موتهم وتصديقهم للإعلام الكاذب، وهذا ما يحرق قلبي ليس فقط ظلم الظالم ورفعة شأنه وعلو حاله، ولكن تصديق الناس لكذبه وتقويتهم للباطل وإعانتهم عليه، وأنا أجلس أتذكر أن في هذه اللحظة هناك من يعذب ويصعق بالكهرباء، وأخوات لي يغتصبن، وأنا لا أملك لهن إلا الدعاء، وأتذكر قول الله تعالى: ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ـ فأخاف أن يكون ما أنا فيه يغضب الله، فيزيد همي، وأخاف أن يكون ذلك ينافي الصبر فأخاف أكثر، ويعلم الله أنني دائما أحمد الله وأسترجع، وأقول إن ذلك لحكمة يعلمها الله، وأنني راضية بكل ما كتب الله، وأستعفر الله وأذكره، ولكنني لا أستطيع أن أتغلب على حزني، فهل ما أنا فيه يغضب الله تعالى وينافي ما يجب أن يكون عليه المسلم؟ وماذا علي أن أفعل؟.
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فشكر الله لك ما تشعرين به، وزادك حرصا على المسلمين وغيرة على الإسلام وأهله، وإن هذا الذي تستشعرينه لدليل ـ إن شاء الله ـ على صدق إيمانك وتعظيمك لدين الله، ولا تأثمين بهذا الحزن وإن كان الاسترسال معه مما لا ينبغي على ما هو مبين في الفتوى رقم: 167119.

وهذا الألم والحزن الذي تشعرين به ظاهرة صحية، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: مثل الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى. أخرجه مسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه.

ولكن يجب ضبط هذا الحزن وذلك الشعور بالضوابط الشرعية بحيث لا يدخل في حرام، ولا يخرج من واجب، واستحضار المعاني التي ذكرتها مما يعين على ضبط تلك المشاعر لئلا تجمح بصاحبها إلى ما لا يحمد، والذي ينبغي هو استثمار هذه المشاعر لتنتج آثارا إيجابية تعود بالنفع على المسلمين، ويكون ذلك بتذكير من استطعت من أهل وزوج وولد وصديقات ونحو ذلك بهموم المسلمين، ومتاعبهم، وضرورة معونتهم بما أمكن من الدعاء لهم، والصدقة على محتاجهم، وبذل الوسع في مرضات الله تعالى والتقرب إليه، وذلك أن الطاعات سبب النعم، كما أن المعاصي هي سبب البلاء، مصداق قوله تعالى: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ {الشورى:30}.

فعودة المسلمين لصحيح الدين، وتمسكهم بحبل الله المتين هو سبيل تلافي تلك الشرور والعودة لما كانوا عليه من الرفعة والتمكين، فاجعلي هدفك وغايتك هو تعبيد نفسك ومن إليك لله تعالى، ثم استحضري مع هذا كله أن الله لا يظلم الناس شيئا، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، وأن هؤلاء الشهداء وإن أحزنك موتهم فالذي يهون عليك الخطب أن تستحضري ما لهم من الكرامة عند الله تعالى، تلك الكرامة التي يغبطهم بها غيرهم في الآخرة، وهؤلاء المبتلون المكلومون لن يضيع أجرهم ولن يذهب ثوابهم، وهذه الدار موصولة بدار أخرى فيها ينتصر للمظلوم من ظالمه، ويوفى كل عامل عمله بالقسط، فتوضع في الميزان مثاقيل حبات الخردل، ولا يغادر الكتاب صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، والحاصل أن ما تشعرين به أمر حسن، وأحسن منه استثماره وتوجيهه الوجهة الإيجابية نفعا للمسلمين، وزيادة في فعل الخير، وتقربا إلى الله تعالى، ودعوة للناس إلى التمسك بهذا الدين الذي في التمسك به كل علو ورفعة في الدنيا والآخرة.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني