الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من قال: أنا كافر بالله إن فعلت كذا وكذا، وندم ثم أراد فعله

السؤال

من قال: أنا كافر إذا فعلت كذا وكذا. ولم يقصد النهي والابتعاد، بل قصد الكفر، ثم ندم على ذلك وأراد فعل ما أقسم على أنه كافر إذا فعله، فهل إذا فعله يكفر؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد ذكر أهل العلم أنه يكفر حالًا من قصد الكفر بقوله: "أنا كافر"؛ ففي المدونة: أنه سئل عبد الرحمن بن القاسم: أرأيت إن قال الرجل: أنا كافر بالله إن فعلت كذا وكذا، أيكون هذا يمينا في قول مالك؟ قال: قال مالك: لا يكون هذا يمينًا، ولا يكون كافرًا حتى يكون قلبه مضمرًا على الكفر، وبئس ما صنع. اهـ.
وقال الشيخ/ زكريا الأنصاري في شرح منهج الطلاب: إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو نحوه؛ كأنا بريء من الإسلام، أو من الله أو من رسوله، فليس بيمين، ولا يكفر به إن قصد تبعيد نفسه عن الفعل، أو أطلق، كما اقتضاه كلام الأذكار، وليقل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويستغفر الله، وإن قصد الرضا بذلك إن فعله فهو كافر في الحال. اهـ.

وقال الهيتمي في تحفة المحتاج: ولا يكفر به إن قصد تبعيد نفسه عن المحلوف عليه أو أطلق، ويجب عليه إن اعتقد ذلك أن ينطق بالشهادتين، فإن لم يعتقده كفاه الاستغفار، واستحب له الإتيان بالشهادتين، فإن علق أو أراد الرضا بذلك إذا فعل كفر حالًا. انتهى.
وقال الشوكاني في النيل: إن اعتقد تعظيم ما ذكر كفر، وإن قصد حقيقة التعليق فينظر؛ فإن كان أراد أن يكون متصفًا بذلك كفر؛ لأن إرادة الكفر كفر، وإن أراد البعد عن ذلك لم يكفر، لكن هل يحرم عليه ذلك أو يكره تنزيهًا؟ الثاني هو المشهور. اهـ.

وأما إن ندم على ذلك وتاب: فإنه يرجى له قبول التوبة إن توفرت شروطها؛ فقد قال الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ {الأنفال:38}.

فإن فعل المحلوف عليه بعد ذلك فلا شيء عليه في ذلك إن كان المفعول جائزًا؛ لأن هذا اللفظ لا تنعقد به يمين، ولا يمنع به فعل ما ذكر؛ لأن اليمين المنعقدة إنما تكون بأسماء الله تعالى وصفاته، ولا يقع الكفر ما دام ندم على إرادته الكفر؛ فقد جاء في الموطأ: قال مالك في الرجل يقول كفر بالله أو أشرك بالله ثم يحنث: أنه ليس عليه كفارة، وليس بكافر ولا مشرك حتى يكون قلبه مضمرًا على الشرك والكفر، وليستغفر الله ولا يعد إلى شيء من ذلك، وبئس ما صنع. اهـ.

وفي رسالة ابن أبي زيد المالكي مع شرحها: ومن قال ـوالعياذ بالله-: أشركت بالله، أو: هو يهودي أو نصراني، أو: عابد وثن، ونحو ذلك، إن فعل كذا، ثم فعله، فلا كفارة عليه -أي: في شيء من ذلك-؛ لأن الحلف بغير أسماء الله أو صفاته لا تنعقد به يمين، ولا يلزمه غير الاستغفار والتوبة. اهـ.

وإن كان الفعل محرمًا فإنه يأثم بفعله ولا يكفر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني