الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

علة تأخر توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا

السؤال

قرأت عن كعب بن مالك وعن قبول توبته بعد خمسين يوما وهو من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما نحن فذنوبنا أكبر وأعظم، فأين نحن من الصحابة حتى يتوب الله علينا بسرعة أكبر! فهل يتوب الله مباشرة إذا تحققت شروط التوبة؟ أم بعد فترة طويلة؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فمن تاب توبة صحيحة مستوفية لشروطها وأركانها، فإن الله يتوب عليه، كما وعد بذلك وهو أصدق القائلين في قوله: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.

وقد قدمنا أدلة ذلك في الفتوى رقم: 188067.

ولم نطلع بعد البحث على نص يدل على الأمد الذي تتم فيه استجابة الله تعالى للتائبين، وإذا تأخرت توبة الله على هؤلاء الصحابة مع صدقهم وعدم نفاقهم، فلا يبعد أن يتأخر قبول التوبة من كثير من العصاة، وقد ذكر المفسرون أن هؤلاء الثلاثة قد أخر الله تعالى توبتهم لحكمة أرادها سبحانه وتعالى، ويحتمل أنهم لم يبالغوا في الاعتذار في المجلس الذي حدثوا فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بحقيقة خبرهم، ويحتمل غير ذلك.

فقد جاء في تفسير ابن كثير: وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم {106} قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة، والضحاك وغير واحد: هم الثلاثة الذين خلفوا، أي: عن التوبة، وهم: مرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال بن أمية، قعدوا عن غزوة تبوك في جملة من قعد، كسلا وميلا إلى الدعة والحفظ وطيب الثمار والظلال، لا شكا ونفاقا، فكانت منهم طائفة ربطوا أنفسهم بالسواري، كما فعل أبو لبابة وأصحابه، وطائفة لم يفعلوا ذلك وهم هؤلاء الثلاثة المذكورون، فنزلت توبة أولئك قبل هؤلاء، وأرجى هؤلاء عن التوبة حتى نزلت الآية الآتية، وهي قوله: لقد تاب الله على النبي والمهاجرين والأنصار {الآية التوبة: 117} وعلى الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم {الآية التوبة: 118} كما سيأتي بيانه في حديث كعب بن مالك، وقوله: إما يعذبهم وإما يتوب عليهم ـ أي: هم تحت عفو الله، إن شاء فعل بهم هذا، وإن شاء فعل بهم ذاك، ولكن رحمته تغلب غضبه، وهو: عليم حكيم ـ أي: عليم بمن يستحق العقوبة ممن يستحق العفو، حكيم في أفعاله وأقواله، لا إله إلا هو، ولا رب سواه. اهـ.
وفي تفسير البغوي : مرجون: مؤخرون، لأمر الله: لحكم الله عز وجل فيهم، وهم الثلاثة الذين تأتي قصتهم من بعد: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع، لم يبالغوا في التوبة والاعتذار كما فعل أبو لبابة، فوقفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسين ليلة ونهى الناس عن مكالمتهم ومخالطتهم، حتى شقهم القلق وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وكانوا من أهل بدر فجعل أناس يقولون: هلكوا، وآخرون يقولون: عسى الله أن يغفر لهم، فصاروا مرجئين لأمر الله لا يدرون أيعذبهم أم يرحمهم، حتى نزلت توبتهم بعد خمسين ليلة. اهـ.

وفي زاد المسير في علم التفسير: والآية نزلت في كعب بن مالك، ومرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وكانوا فيمن تخلف عن تبوك من غير عذر، ثم لم يبالغوا في الاعتذار كما فعل أبو لبابة وأصحابه، ولم يوثقوا أنفسهم بالسواري، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم، ونهى الناس عن كلامهم ومخالطتهم حتى نزل قوله تعالى: وعلى الثلاثة الذين خلفوا... اهـ.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني