الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم عقد النكاح إذا كان الولي الموكِل والموكَل لا يصليان

السؤال

ما حكم عقد النكاح الذي تم بتوكيل أبي الزوجة خالها، وأبوها وخالها ﻻ يصليان؟ مع العلم أن الزواج تم منذ 8 سنوات ويوجد أوﻻد. فما الحل؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن كان الأب لا يصلي تكاسلًا عنها وتهاونًا، مع إقراره بوجوبها، فقد اختلف أهل العلم في حكمه، فمذهب الجمهور أنه فاسقٌ غير خارج من الملة، وذهب الحنابلة إلى أنه لا يحكم بكفره ما لم يستتبْه ولي الأمر. وذهب جماعةٌ من أهل العلم -منهم شيخ الإسلام ابن تيمية- إلى أنه لا يكفر إن كان تاركًا للصلاة أحيانًا ويأتي بها أحيانًا، فإن تركها بالكلية كفر.

وإلى هذا القول الأخير مال الشيخ/ ابن عثيمين -رحمه الله تعالى-؛ فقد سئل عن الإنسان الذي يصلي أحيانًا ويترك الصلاة أحيانًا أخرى، هل يكفر؟ فأجاب بقوله: [الذي يظهر لي أنه لا يكفر إلا بالترك المطلق بحيث لا يصلي أبدًا، وأما من يصلي أحيانًا فإنه لا يكفر؛ لقول الرسول -عليه الصلاة والسلام-: "بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة". ولم يقل: ترك صلاةٍ، بل قال: "ترك الصلاة"، وهذا يقتضي أن يكون الترك المطلق، وكذلك قال: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها -أي الصلاة- فقد كفر". وبناءً على هذا نقول: إن الذي يصلي أحيانًا ليس بكافر]. انتهى.

فعلى القول بعدم كفره؛ فإن العقد صحيح؛ إذ الراجح عندنا أنه لا تشترط عدالة الولي المسلم في ولاية نكاح موليته المسلمة، وهو مذهب الحنفية والمالكية، وأحد الوجهين عند الشافعية، ورواية عن الإمام أحمد.

قال الخطيب في "مغني المحتاج": [وبه قال مالك وأبو حنيفة وجماعاتٌ؛ لأن الفَسَقة لم يُمنعوا من التزويج في عصر الأولين، وصححه الشيخ عز الدين، وعلله بأن الوازع الطبعي أقوى من الوازع الشرعي]. اهـ.

وذلك لأن من طبيعة الأب الوليِّ الحرصَ على الأصلح لابنته.

أما توكيل والد الزوجة خالَها الفاسق الذي لا يصلي، في عقد نكاحها: فتوكيلٌ صحيح، والعقد الذي تمَّ بموجبه صحيح، ما لم يثبت كفره على التفصيل المار؛ إذ لولي المرأة المسلمة أن يوكل في عقد نكاحها من تصح ولايته على المسلمة؛ فهذا الخال نائب عن الولي وقائم مقامه فيصح توليه العقد، على ما رجحنا من صحة ولاية الفاسق للنكاح أصالةً.

قال الخرشي في شرح المختصر: [وأما ولي المرأة فلا يوكِّل إلا من يصح أن يكون وليًا لها ... فلا يوكل على نكاحها إلا من يكون مثلَه في استكمال شروط الولاية؛ لأن الحق لله، فلا يوكِّل كافرًا ولا عبدًا ولا صبيًّا ولا امرأة]. اهـ.

فعلى الحكم بعدم كفرهم؛ فالتوكيل صحيحٌ، والعقد صحيحٌ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني