الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

كفر من يتعمد نقص حرف أو كلمة من القرآن

السؤال

ما رأي الشرع فيمن يقول إنه يجب حذف آيات القرآن التي بدأت بالتحريم مثل الخمر، ويكتفى ب: إنما الخمر والميسر إلى نهاية الآية وتحذف اجتنبوا، ولا تقربوا الصلاة؟ وهل هجر القائل لوجه الله حلال أو حرام ولو كان أخي وهو في فراش الموت؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد أخطأ القائل بوجوب حذف شيء من القرآن وطلب ما لن يتحقق حصوله، فإن القرآن كلام الله تعالى الذي تكفل بحفظه، حيث قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {الحجر:9}.

ومن تعمد نقص شيء منه يعتبر كافرا، كما قال القاضي عياض في كتابه: الشفا في بيان حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم ـ وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين، مما جمعه الدفتان من أول: الحمد لله رب العالمين ـ إلى آخر: قل أعوذ برب الناس ـ أنه كلام الله، ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك، أو بدله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأجمع على أنه ليس من القرآن عامداً لكل هذا أنه كافر.

وأما عن الهجر: فإن الهجر يشرع إذا كان لمقصد شرعي كأن ينزجر المهجور بسببه عن الذنب، فإذا كان الهجر لا يحقق هذا المقصد، فإن القرب منه ونصحه ووعظه أولى وأحسن، ويتأكد هذا في حق المحتضر، فإن الاتصال به ونصحه ليتوب ويموت على حسن الخاتمة أولى، وهذا هو الموافق لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ومعاملته لأبي طالب واليهودي، فقد زارهما ساعة احتضارهما ودعاهما للتوحيد والإيمان، قال النووي في الروضة: الصواب الجزم بتحريم الهجران فيما زاد على ثلاثة أيام، وعدم التحريم في الثلاثة، للحديث الصحيح: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ـ قال أصحابنا وغيرهم: هذا في الهجران لغير عذر شرعي، فإن كان عذر بأن كان المهجور مذموم الحال لبدعة أو فسق أو نحوهما، أو كان فيه صلاح لدين الهاجر أو المهجور، فلا يحرم، وعلى هذا يحمل ما ثبت من هجر النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن مالك وصاحبيه ونهيه الصحابة عن كلامهم، وكذا ما جاء من هجران السلف بعضهم بعضا. انتهى.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى: الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم، فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك، بل يزيد الشر، والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته، لم يشرع الهجر، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوما ويهجر آخرين، كما أن الثلاثة الذين خلفوا كانوا خيرا من أكثر المؤلفة قلوبهم، لما كان أولئك كانوا سادة مطاعين في عشائرهم فكانت المصلحة الدينية في تأليف قلوبهم، وهؤلاء كانوا مؤمنين، والمؤمنون سواهم كثير، فكان في هجرهم عز الدين وتطهيرهم من ذنوبهم. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني