الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ما يعتبر من الغيبة والفتنة وما لا يعتبر، وكفارة الوقوع فيهما

السؤال

هل وقعت أنا في الفتنة، أو الغيبة باستفساري عنها، وعن مُحدِثها؟
أنا بنت، أعيش مع أهلي في بيت عائلة، ولي 4 أعمام، وزوجاتهم، للأسف هناك اثنتان من زوجات أعمامي، غير صالحتين، ومعروفتان بنشرهما للفتن، والوقيعة بين أعمامي، وزوجاتهم؛ لدرجة أنهما حاولتا التشهير بي، وبسمعتي؛ كيلا أتزوج، ودائمتا الاستمرار في استفزازي.
الموضوع أنه أثناء محاولتهما التشهير بنا عند أقاربنا، جاءت زوجة عم أخرى لنا، كي تقول لنا إنها لا تصدقهما في كلامهما عنا، حتى توضح أن موقفها منحاز إلينا، وشكرناها لذلك، المهم أنها قالت عنهما إن جدتي ماتت غاضبة على زوجتي عمي غير الصالحتين.
ومع استمرار استفزازهما لي، قمت -من تأثري بما يحدث منهما- بكتابة ما فعلتاه بنا في شكل قصة، أو رواية، ونشرتها على موقع التواصل الاجتماعي: فيس بوك، الخاص بي، وذكرت داخل هذه الراوية، المعلومة التي قالتها زوجة عمي الأخرى عنهما، وقلت بالنص: "إننا علمنا أن الجدة ماتت غاضبة عليهما "، فقط، مع العلم أني لم أذكر اسم أي شخصيات، أو حتى إشارة لزوجة عمي التي قالت لنا هذه المعلومة.
وبعد فترة تغيرت معاملة عمي، وزوجته -التي قالت لنا تلك المعلومة- معنا، وعرفت بعدها أن زوجتي عمي غير الصالحتين، كانتا تراقبان صفحتي الإلكترونية، وأحدثتا وقيعة بيننا وبين عمي هذا، وزوجته، وذكرتا لهما أننا أوصلنا لهما المعلومة التي ذكرتها لنا زوجته عنهما، وهو ما لم يحدث كما ذكرت مسبقا.
وجدت زوجتا عمي غير الصالحتين، تقفان تحت شباك غرفتي، وتتحدثان، وتضحكان بصوت عال، في محاولة لاستفزازي بأنهما أوقعتا بيننا، وبين عمي، ولكني تعمدت ألا أسمع ما قالتاه حتى لا أتعب نفسيا، ولكنهما تعرفان جيدا كيف تستفزان غيرهما.
بعد فترة ذهبت لعمي، وقلت له إنهما وقفتا تحت شباكي، وقالتا إنه قال كلاما عنا، -والله إن نيتي كانت خيرا، وأردت أن أوضح له أنني لم أذكره بسوء، ولا زوجته- ولكن عمي كان أحرص مني على أن لا يفتح الموضوع، بالتالي لم يذكر لي ما قالتاه له، أو أي شيء عن موضوع المعلومة، ولكنه أكد لي أنه يعلم حقيقة كيدهما، والفتنة التي تحاولان إشعالها في البيت.
سؤالي: هل وقعت بتصرفي هذا، في إثم الفتنة، أو الغيبة، وما شابه، مع العلم أن نيتي كانت خيرا، وتوضيحا للحقائق.
ولو وقعت فيها. فما الكفارة؟
ولكم جزيل الشكر، والثواب على مجهودكم الرائع.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يوفقك، وأن يصلح شأنك، وسؤالك حول كتابتك لتلك الرواية، ونقلك فيها لما أخبرتك به إحدى زوجات أعمامك، من موقف جدتك من زوجات أعمامك الأخريات، يتعلق به عدة مسائل:

الأولى: هل نقلك لذلك الكلام يعتبر إفشاء لسر من أخبرتك، وإضرارا بها -بإفساد العلاقة بينها، وبين زوجات أعمامك الأخريات-؟

وجوابه: أن الأصل أنه إذا ظهر من حال الشخص المخبر بأمر ما، أنه لا يرضى بنشره، فلا يجوز نشره، لا سيما إن كان سيفضي إلى ضرر بالمخبِر، كما سبق في الفتوى رقم: 41559، والفتوى رقم: 76086.

الثانية: هل كتابتك لتلك الرواية هو من باب الغيبة المحرمة، أم لا؟

ويقال في هذا: إن الغيبة المحرمة، هي ذكر المسلم أخاه بما يكره، لكن إن كان الكلام مبهما دون تسميه للأشخاص، وكان لا يمكن للمتلقي التعرف عليهم، فلا يعتبر ذلك من الغيبة المحرمة، وإلا فهو من الغيبة، كما سبق في الفتوى رقم: 227230 .

وعموما: فسواء كان ما قمت به غيبة، أو فتنة، أم لا. فنوصيك بالاستغفار، والتوبة على كل حال، فقد أمر الله بذلك عباده المؤمنين جميعا، فقال سبحانه: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {النور:31}.

قال ابن القيم: ومنزلة التوبة أول المنازل، وأوسطها، وآخرها، فلا يفارقه العبد السالك، ولا يزال فيه إلى الممات، وإن ارتحل إلى منزل آخر، ارتحل به، واستصحبه معه، ونزل به، فالتوبة هي بداية العبد، ونهايته، وحاجته إليها في النهاية، ضرورية، كما أن حاجته إليها في البداية كذلك، وقد قال الله تعالى: {وتوبوا إلى الله جميعا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} [النور: 31].

وهذه الآية في سورة مدنية، خاطب الله بها أهل الإيمان، وخيار خلقه أن يتوبوا إليه، بعد إيمانهم، وصبرهم، وهجرتهم، وجهادهم، ثم علق الفلاح بالتوبة، تعليق المسبب، بسببه، وأتى بأداة لعل، المشعرة بالترجي، إيذانا بأنكم إذا تبتم، كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون، جعلنا الله منهم. قال تعالى: {ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} [الحجرات: 11] قسم العباد إلى تائب، وظالم، وما ثم قسم ثالث البتة، وأوقع اسم الظالم على من لم يتب، ولا أظلم منه، لجهله بربه، وبحقه، وبعيب نفسه، وآفات أعماله. اهـ من مدارج السالكين.

وليس ثم كفارة خاصة للغيبة ونحوها، لكن الأعمال الصالحة عموما، مكفرة للسيئات، فقد أخرج الشيخان عن عبد الله بن مسعود، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله؛ إني عالجت امرأة في أقصى المدينة، وإني أصبت منها ما دون أن أمسها، فأنا هذا، فاقض في ما شئت، فقال له عمر: لقد سترك الله، لو سترت نفسك، قال: فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فقام الرجل فانطلق، فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا دعاه، وتلا عليه هذه الآية: أَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}، فقال رجل من القوم: يا نبي الله؛ هذا له خاصة؟ قال: "بل للناس كافة".

وإذا تبين للشخص أنه ظلم غيره بغيبته، أو إفشاء سره، أو نحو ذلك، فيشرع له التحلل منه، ويُنظر في سبيل ذلك الفتوى رقم: 66515 .

وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 243361، والفتوى رقم: 94887.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني