الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

موقف الوالد من ولده الذي وافق زوجته على خلع الحجاب

السؤال

أنا رجل سوري ملتزم بشكل جيد، وعائلتي منضبطة بحمد الله تعالى بالشرع، وعندي ابن شاب من زوجتي الأولى المطلقة، وعمره 25 عاما، وهو يصلي، ولكنه غير ملتزم بالمعنى الحرفي، فأردنا السفر من بلدنا بسبب الحرب، فطلب مني أن أزوجه امرأة مطلقة تكبره بعامين وغير محجبة، كان قد تعرف إليها بنفسه، فرفضت ذلك بسبب عدم التزامها بالحجاب خصوصا وعدم التزامها عموما، فإذا به يخبرني أنها قد تحجبت وهو يريد الزواج منها، وذلك قبل أسبوع من سفرنا، وفي الحقيقة لم أكن موافقا في البداية، ولكنني غيرت رأيي للأسباب التالية:
أولا: ابني غير ملتزم بالمعنى الحرفي للكلمة.
ثانيا: كنا سنسافر إلى بلد غير مسلم بسبب رفض أغلب الدول العربية استقبال المزيد من السوريين، وفي أوربا ستكون الفتن عليه أشد، ولذلك فتحصينه ولو مع فتاة غير ملتزمة تماما، ولكنها مسلمة سيكون أفضل من خطر ضياع دينه مع الأوربيات قليلات الحياء والدين.
ثالثا: لم يكن لدينا الوقت الكافي للبحث عن فتاة أخرى بسبب قرب موعد السفر، وبسبب تعلقه بتلك المرأة، فاستخرت الله تعالى، وبعد تردد وافقت وخطبتها له وسافرنا، ولحقت بنا زوجته بعد فترة قصيرة، وكانت تلبس غطاء رأس، ولكنها لم تكن تلبس لباسا شرعيا، فهي ترتدي البنطال الضيق... وظهرت عليها منذ البداية مظاهر عدم الالتزام بسبب لباسها، ولذلك كنا مع زوجتي نتعرض لموضوع الحجاب ونشدد عليه متعمدين لنستبق عليها الأمر قبل أن تفاجئنا هي بذلك، وخصوصا أن لي بنتين في نهاية المرحلة الابتدائية، وقد تكلمت معهما وهيأتهما للحجاب لتلبسانه الصيف المقبل ـ بإذن الله تعالى ـ مع ما في ذلك من صعوبات بسبب كونهما المسلمتين الوحيدتين في مدرستهما بين بنات غير مسلمات، وهي المدرسة الوحيدة القريبة من بيتنا، وكنت أخشى من التأثير السيئ لزوجة ابني عليهما إن رأوها قد بادرت بخلع الحجاب، ولكن الذي أخشاه فعلا حصل، فقد أخبرنا ابني عن طريق زوجتي أن زوجته قد خلعت الحجاب، وكان يتوقع مني بالذات ردة فعل قوية على هذا الأمر، فتناقشت مع زوجتي والتي كانت تعامله بالحسنى وكأنه ولدها، وقررنا مقاطعتهما مبدئيا حتى يرجعا إلى دينهما وتلبس هي الحجاب، وهو يقول إنها هي التي تريد خلع الحجاب، ولكنه لا يمانع في ذلك، ثم زعم عدم فرضية الحجاب، فأتيته بالأدلة من الكتاب والسنة ونصحناه أنا وزوجتي، كما تكلمت معها زوجتي، ولكنهما مصران على موقفهما، ثم أخبر ابني زوجتي ألا نتعب أنفسنا لأنها لن تلبس الحجاب مهما فعلنا، والآن نحن نقاطعهما بحيث لا نذهب لزيارتهما؛ علما بأن بيتهما مقابل بيتنا تماما، ولكنه يأتي هو وابنته الرضيعة التي ولدت لهما حديثا كل يومين أو ثلاثة أيام، فيجلس نصف ساعة لا نتكلم معه خلالها، ولكننا نحمل الرضيعة قليلا، ولكن إخوته يتكلمون معه، ولا يذهبون لزيارته ونسيت أن أنوه أن زوجته صرحت بخلع الحجاب رسميا بعد أن ولدت طفلتها، ويبدو أنها كانت تخطط لذلك لكي لا يستطيع هو ـ أو نحن ـ معارضتها، وليصبح موقفها أقوى بوجود الطفلة، فأرجو نصحي: ما الذي نستطيع فعله الآن ولاحقا إذا أصرت على موقفها، علما بأنها كانت تبدي الاحترام لنا، وما رأينا منها إساءة تجاهنا خلال الفترة القصيرة التي عرفناها فيها؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالحجاب فريضة على المرأة المسلمة يجب عليها الالتزام به حيث كانت؛ سواء كانت في بلد مسلم أم في بلد غير مسلم، ففي الحديث عن معاذ ـ رضي الله عنه ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اتق الله حيثما كنت.... الحديث رواه الترمذي.

فلا يجوز للمسلمة التهاون في الحجاب وخلعه، وقد أوضحنا أدلة فرضية الحجاب في الفتوى رقم: 18570.

والزوج مسؤول عن زوجته وله القوامة عليها، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ {التحريم:6}.

قال السعدي: قوامون عليهن بإلزامهن بحقوق الله تعالى، من المحافظة على فرائضه وكفهن عن المفاسد، والرجال عليهم أن يلزموهن بذلك. اهـ.

وفي الصحيحين من حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: والرجل راع في أهله، ومسؤول عن رعيته.

فيجب على زوجها إلزامها بالحجاب، قال الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب: الواجب عليه أن يجبرها على أن تلبس اللباس الشرعي، وإذا قدر أنها عصت فله أن يمنعها من الخروج من البيت|، لأن الولاية له عليها، كما قال الله عز وجل: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم. اهـ.

وأما أن يقرها زوجها على خلعه، فهذا إثم مبين، وفيه نوع من الدياثة، ولمعرفة معنى الديوث وعقوبته تنظر الفتوى رقم: 56653.

وإن كان ينكر فرضية الحجاب، فالأمر أخطر، لأن هذا قد يؤدي بصاحبه إلى الكفر، وعلى كل فإننا نوصي بالترفق بهما، والحرص على تعليمهما ونصحهما بالحسنى، قال تعالى: ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ... الآية{النحل:125}.

وفي صحيح مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ زوج النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه.

والهجر مشروع يلجأ إليه إن لم ينفع النصح، ورجي أن تكون فيه مصلحة، كما هو مبين في الفتوى رقم: 29790.

وما تقدم إنما هو في الحجاب بمعنى ستر الرأس وسائر البدن، وأما إن كان المقصود به تغطية الوجه فقط، فمع أن الراجح عندنا وجوب تغطيتهما لأدلة مبينة في الفتوى رقم: 5224، إلا أن الأمر فيه أهون، والخلاف فيه قوي، والمسألة فيه محل اجتهاد.

وننبه إلى خطر الإقامة في بلاد الكفر، وما فيها من المغريات ودواعي الفتنة ورقة الدين والتفلت على أحكام الشرع الحكيم، فمتى زالت الضرورة أو الحاجة الشديدة للإقامة هنالك وجبت الهجرة إلى بلاد الإسلام، وانظر الفتوى رقم: 144781.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني