الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التفضيل بين قراءة القرآن ومذاكرة العلم في شهر رمضان

السؤال

أيهما أفضل في شهر رمضان: نشر العلم والفوائد في الواتساب لخدمة الدعوة، أم الانشغال بقراءة القرآن؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن شهر رمضان كان عند كثير من السلف شهراً خاصاً بالقرآن، يفرون فيه من مجالس العلم والتدريس، ويشتغلون بتلاوة القرآن، مع أن نفع التدريس متعدٍّ، ونفع التلاوة قاصرٌ على النفس في الغالب، ومنهم من كان يترك مجالس الحديث ويشتغل بتعليم القرآن، فالاقتداء بهم أولى، لأنهم أعلم، يقول الحافظ ابن رجب في لطائف المعارف: وكان قتادة يدرس القرآن في شهر رمضان، وكان الزهري إذا دخل رمضان قال: فإنما هو تلاوة القرآن وإطعام الطعام، قال ابن عبد الحكم: كان مالكٌ إذا دخل رمضان يفرُّ من قراءة الحديث ومجالسة أهل العلم، وأقبل على تلاوة القرآن من المصحف، قال عبد الرزاق: كان سفيان الثوري: إذا دخل رمضان ترك جميع العبادة وأقبل على قراءة القرآن. اهـ.

فترى تفضيل السلف للاشتغال بالقرآن في هذا الشهر الفضيل، وذلك لعلمهم بما في ذلك من الفضل فيه، كما جاء في الحديث من حديث ابن مسعود، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرأ حرفا من كتاب الله، فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف. رواه الترمذي وصححه.

وذلك أن نشر العلم والذكر كان في أحد عشر شهراً، فلما جاء شهر القرآن، اشتغلوا بما خصه الله تعالى من الذكر بإنزاله في هذا الشهر، كما أشار إلى ذلك قوله جل وعلا: شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ {البقرة:185}.

فنبه الله تعالى على اختصاصه بالقرآن مذكّراً بأهمية تعاهده فيه، لكن مع ذلك فإن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فقد يكون الشخص غيرَ قادر على تعلم العلم إلا في رمضان، كما لو كان منشغلاً طوال السنة، أو نفسه لا تركن وتلين إلى تعلم العلم إلا في رمضان، بل قد يكون واجباً عليه أن يتعلم العلم في رمضان، كما لو كان علمه بأحكام الصيام ضعيفاً، فيجب عليه أن يتفقه بما يحتاج إليه ليصح صومه، ولا يرتكب نواقض ومفسداتٍ وهو لا يعلم، والأئمة كانوا أفقه الناس بدين الله وأحكامه، فلا يقاس مثل هذا عليهم، وقد يكون آخرُ محتاجاً إلى قراءة الكلام الطيب والمذكرات الدعوية في هذا الشهر الفضيل، لتزداد روحانياته، ويلين قلبه إلى ذكر الله، وقد يكون شخص آخَرُ نفسُه تفتُر عن الانشغال بعبادة واحدة، وتخفُّ عزيمته، ويجد في نفسه حاجةً إلى تنويع العبادة، أو يجد في نفسه حباً شديداً لنشر الرسائل الدعوية ورغبةً دافعةً له في بعض الأوقات، فهذا لا شك أن الأفضل له أن يترك التلاوة في ذلك الوقت، وينشغل بغيرها من العبادات، كما روى البخاري ـ رحمه الله ـ عن عائشة: سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: أدومها وإن قل، وقال: اكلفوا من الأعمال ما تطيقون. وأصلُه متفق عليه.

فأفضلية الانشغال بتلاوة القرآن في شهر رمضان عن غيرها من العبادات تختلف باختلاف الأشخاص، وكلٌّ أعلم بما يوافق نفسه، لكن لو استوى عند أحدهم الأمران، فالاشتغال بالتلاوة أفضل، لما ذكرنا أول الفتوى، وراجع ــ للفائدة ــ الفتويين رقم: 162569، ورقم: 55125.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني