الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التائب من الذنب كمن لا ذنب له

السؤال

لو سمحت أنا عمري 16 سنة، أتهاون في الصلاة، وأكذب كثيرا، ومارست الجنس مع شباب، وأتابع أفلاما إباحية، وأمارس العادة السرية، أنا فعلت ذنوبا كثيرة، ونادم والله، ودائما أحاول أن أحفظ عدة أجزاء من القرآن، وأصلي وأتصدق أبغي أتوب - تكفون - انصحوني، أبغي أتوب من كل شيء، أبغي أبدأ صفحة جديدة، لكن ما أعرف كيف الله يسامحني على الوضع، ودائما أكذب على أهلي، وأطلع مع شباب. أبغي أن أتوب من كل شيء فعلته من كثرته ما أنا عارف أي شيء أفعله أفكر أني أنتحر- تكفوني - انصحوني كيف أترك كل هذه الذنوب؟ أي شيء أفعل وأهلي يريدون أني أطلع مع شباب وكرهوني وصاروا يشكون فيّ، فأي شيء أفعل؟ أريد فعل أشياء تمحو ذنوبي كلها، وأبدأ صفحة جديدة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يغفر ذنبك، ويطهر قلبك، وعليك أن تحسن الظن بالله، فإن الله عز وجل من أسمائه التواب، وهو سبحانه يحب التائبين، كما قال: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ {البقرة:222}.
والله جل وعلا يفرح بعبده إذا تاب إليه، فعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه، من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه، فأيس منها، فأتى شجرة، فاضطجع في ظلها، قد أيس من راحلته، فبينا هو كذلك إذا هو بها، قائمة عنده، فأخذ بخطامها، ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح. أخرجه الشيخان، واللفظ لمسلم.
والعبد إذا تاب فإن الله يغفر له ذنبه مهما كان عظيما، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ {الزمر:53}.
بل إن الله بفضله وكرمه يبدل سيئات التائبين حسنات، كما قال سبحانه: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}.

فلتبادر بالتوبة إلى الله عز وجل، وذلك بالندم والاستغفار لما مضى، والإقلاع الفوري عن الذنوب، وعقد العزم على عدم الأوبة إليها.

ونوصيك بالاستعانة بالله تعالى وإظهار الفاقة إليه، إذ لا سبيل لك إلى هداية أو إنابة أو توبة إلا بمعونته وفضله، وحافظ على الفرائض ـ لا سيما الصلوات الخمس في أوقاتها مع الجماعة ـ فهي سياج حصين عن الوقوع في ما يكره الله، كما قال تعالى : وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ {العنكبوت:45}، وأقبل على كتاب الله استماعا وتلاوة وتدبرا فهو نور الصدور وشفاء القلوب، وأعقب إساءتك بإحسان وطاعة تكون كفارة لها، فإن الحسنات يذهبن السيئات.

وإذا استحضرت ضرر المعاصي وشؤم عاقبتها في دينك ودنياك وآخرتك هان عليك البعد عنها، فإن للمعاصي عقوبات معجلة في الدنيا سوى ما ينتظر العاصي في الآخرة، ومن ذلك ما ذكره ابن القيم بقوله: قلة التوفيق، وفساد الرأي، وخفاء الحق، وفساد القلب، وخمول الذكر، وإضاعة الوقت، ونفرة الخلق، والوحشة بين العبد وبين ربه، ومنع إجابة الدعاء، وقسوة القلب، ومحق البركة في الرزق والعمر، وحرمان العلم، ولباس الذل، وإهانة العدو، وضيق الصدر، والابتلاء بقرناء السوء الذين يفسدون القلب ويضيعون الوقت، وطول الهم والغم، وضنك المعيشة، وكسف البال، تتولد من المعصية والغفلة عن ذكر الله كما يتولد الزرع عن الماء والإحراق عن النار. اهـ.

واتخذ رفقة صالحة يذكرونك إن غفلت، و يعينوك إن ذكرت، وتجاف عن رفقاء السوء، فالمرء يقتدي بخلانه، كما قال صلى الله عليه وسلم: الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل. أخرجه أبو داود والترمذي وصحح إسناده النووي. ومن أعظم أسباب الانحراف والضياع هو مصاحبة الضالين الزائغين.

وإياك والتفكير في الانتحار فهو من أعظم الموبقات.

وراجع لمزيد الفائدة حول التوبة ووسائل إصلاح القلب وتقوية الإيمان الفتاوى التالية أرقامها: 111852، 10800، 136724.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني