الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مذاهب العلماء في ولاية الأخ على أخته

السؤال

أنا فتاة عمري 21 عامًا، أبي توفي من 8 سنين، وأخي تولى مسؤوليتي، أريد أن أعرف ما هي المسؤولية التي حددها الشرع لأخي تجاهي؟ وهل تتلخص في المأكل والمشرب وتوفير السكن والنصح والإرشاد؟ وهل يجوز له أن يتركني وحدي ولا يأتي إلا يومين في الأسبوع كي يطمئن عليّ؟ وإن تشاجرنا يهددني بأنه لن يأتي إليّ، فهل ما يقوم به من زيارتي هو تفضل منه ليس من مسؤوليته عليّ؟
أريد دليلًا شرعيًّا يثبت لي من معه الحق منّا أنا أم هو، ونحن سنخضع للدليل الشرعي.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله أن يرحم والدك، وأن يصلح بينك وبين أخيك، واعلمي أنه إذا مات الوالد؛ فالأخ أحد من تنتقل إليهم الولاية، على تفاصيل وفروق بين الولاية على المال والنفس بيّنّا بعضها بالفتويين: 37701، 30186، وتوابعهما.

وأما عن مدى مسؤولية أخيك عنك، وولايته عليك: ففيه تفصيل؛ فأما الاعتناء بشؤونك، وهو ما يعرفه بعض العلماء بالكفالة التي تلي مرحلة الحضانة، فللفقهاء فيها تفصيل؛ جاء في الموسوعة الفقهية:

إذا انتهت مدة الحضانة باستغناء الصغير أو الصغيرة عن الحاضنة، فإن مرحلة أخرى تلي مرحلة الحضانة، وهذه المرحلة سماها بعض الفقهاء "الكفالة"؛ قال الشربيني الخطيب: الحضانة مأخوذة من الحضن؛ فإن الحاضنة ترد إليه المحضون، وتنتهي في الصغير بالتمييز، وأما بعده إلى البلوغ فتسمى كفالة. قاله الماوردي. وقال غيره تسمى "حضانة" أيضًا، وقال بعضهم: "ولاية الرجال". وقد اختلف الفقهاء في بداية هذه الولاية، فذهب الشافعية والحنابلة إلى أنه إذا بلغ الصبي المحضون سبع سنين عاقلًا خير بين أبويه اللذين من أهل الحضانة، فيكون مع من اختاره منهما. ويرى الحنفية أنه إذا بلغ الصبي سبع سنين مستغنيًا عن أمه يأخذه الأب، على تفصيل لهم في ذلك بين الذكر والأنثى. ويرى المالكية أن حضانة النساء تستمر إلى بلوغ الذكر، أما الأنثى فتستمر حضانتها حتى تتزوج ويدخل عليها زوجها. انتهى.

وجاء أيضا: وعند الشافعية: تنتهي الولاية على الصغير -ذكرًا كان أو أنثى- بمجرد بلوغه. وعند الحنابلة: لا تثبت الحضانة إلا على الطفل أو المعتوه، فأما البالغ الرشيد فلا حضانة عليه، فإن كان رجلًا فله الانفراد بنفسه لاستغنائه عن أبويه، وإن كانت أنثى لم يكن لها الانفراد، ولأبيها منعها منه؛ لأنه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها، ويلحق العار بها وبأهلها، وإن لم يكن لها أب فلوليها وأهلها منعها من ذلك. انتهى.

فعلى قول المالكية والحنابلة يبقى حق الكفالة لك على أخيك، وعند أبي حنيفة والشافعي يسقط ذلك عنه ببلوغك.

ومع هذا؛ فالحنفية يرون عدم تمكين البنت -ولو ثيبًا- من الانفراد بسكن إن خشي عليها، ورأى ابن عابدين لفساد الناس منع كل بنت من الانفراد؛ قال ابن عابدين -معلقًا على القول بحق الأب في ضم بنته الثيب غير المأمونة-: ... والظاهر: أن الجد كذلك، بل غيره من العصبات كالأخ والعم، ولم أر من صرح بذلك، ولعلهم اعتمدوا على أن الحاكم لا يمكنه من المعاصي وهذا في زماننا غير واقع فيتعين الإفتاء بولاية ضمه لكل من يؤتمن عليه من أقاربه ويقدر على حفظه، فإن دفع المنكر واجب على كل من قدر عليه لا سيما من يلحقه عاره، وذلك أيضًا من أعظم صلة الرحم والشرع أمر بصلتها وبدفع المنكر ما أمكن. حاشية ابن عابدين.
وجاء في الروض المربع مع حاشيته: ولأبيها وباقي عصبتها منعها من الانفراد...

قال ابن قاسم: خشية الفساد، ولحوق العار بهم، ومنعها من المحرمات، فإن لم تمتنع إلا بالحبس حبسوها، وإن احتاجت إلى القيد قيدوها، وما ينبغي للمولود أن يضرب أمه، ولا يجوز لهم مقاطعتها بحيث تتمكن من السوء، بل يلاحظونها بحسب قدرتهم، وإن احتاجت إلى رزق وكسوة كسوها، وليس لهم إقامة الحد عليها. انتهى.

فتحصل مما سبق: أن لك على أخيك حق الكفالة، وهي تتضمن القيام بشؤونك والنصح والإرشاد، وأما تهديده بقطع الزيارة: فلا يجوز له مقاطعتك، بل لا بد له من ملاحظتك والاطمئنان على حالك، ورزقك وكسوتك -كما في كلام ابن قاسم -رحمه الله-.

وأما تركك في مكان منفرد: فطالما أنك مأمونة، وفي موضع مأمون جاز تركك بمفردك، وأما إن كان الأمر بخلاف ذلك: فليس لعصبتك أن يتركوك منفردة.

وانظري بخصوص نفقة الأخ على أخته الفتوى رقم: 223948.

وأما الولاية المالية: ففي انتقالها بعد موت الوالد تفصيل، ولكنها تنتهي ببلوغ الصغير، وعليه؛ فلك التصرف في مالك لكونك تجاوزت مرحلة البلوغ، وانظري الفتويين: 103429، 66573.
وله عليك ولاية النكاح؛ كما بيّنّا بالفتوى رقم: 63279.

ويبقى وجوب صلة الرحم بينكما بحسب العرف؛ كما بيّنّا بالفتوى رقم: 99470.

وراجعي للفائدة الفتوى رقم: 120703.

والذي ننصحك به هو ألا تتعاملي بسياسة الحقوق، وإنما بالصلة والإحسان؛ فأخوك قد يتحمل عبئًا كبيرًا بسبب العمل؛ فاصبري عليه، وأشعريه بالامتنان، وأنه يمثل لك شيئًا كبيرًا، وحاولي الرفق به، وحاولي ترك ما يضجره، ويمكنك مراجعة قسم الاستشارات من موقعنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني