الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

معنى حديث: ولا أحد أحب إليه العذر من الله

السؤال

ما معنى حديثه صلى الله عليه وسلم: "ولا أحد أحب إليه العذر من الله"؟
وشكرًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فهذا جزء من حديث في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولفظه عند البخاري: «أتعجبون من غيرة سعد؟! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحبُّ إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحبُّ إليه المِدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة». وعند مسلم: «ولا شخصَ أحبُّ إليه العذر من الله؛ من أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين». وفي لفظ لمسلم من رواية ابن مسعود: «من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل».

وقد اختلف تفسير العلماء لهذا الحديث على قولين:

ــ فمنهم من قال: العذر هنا التوبة والإنابة والاعتذار من خلقه إليه.

قال ابن بطال: وقوله: (لا أحد أحب إليه العذر من الله) فمعناه ما ذكر في قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِى يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ) [الشورى: 25]، فالعذر في هذا الحديث: التوبة والإنابة. اهـ.

وكذلك قال القاضي عياض: وِيحتمل أن يريد به الاعتذار من خلقه إليه لعجزهم وتقصيرهم، فيغفر لهم، كما قال: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}. اهـ.

ــ ومنهم من قال: العذر هنا الإعذار والإنذار ببعثة الرسل؛ لئلا يكون للناس على الله حجةٌ بعد الرسل.

قال النووي -رحمه الله-: فالعذر هنا بمعنى الإعذار والإنذار قبل أخذهم بالعقوبة؛ ولهذا بعث المرسلين، كما قال سبحانه وتعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا}. اهـ.

والقول الأول وإن كان صحيح المعنى من حيث الجملة؛ كما جاء في صحيح البخاري، وغيره: «لله أفرح بتوبة عبده من رجل نزل منزلًا وبه مهلكة، ومعه راحلته، عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتى إذا اشتد عليه الحر والعطش أو ما شاء الله، قال: أرجع إلى مكاني. فرجع فنام نومة، ثم رفع رأسه، فإذا راحلته عنده».

إلا أن القول الثاني هو الصواب في تفسير هذا الحديث بعينه، كما صرح به النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث، فقال: «من أجل ذلك بعث الله المرسَلين مبشرين ومنذرين»، وقال: «من أجل ذلك أنزل الكتاب وأرسل الرسل». ويشهد له قوله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ {النساء:165}.

ونقل ابن حجر في "الفتح" فائدةً قيمةً في هذا الحديث، مفرّعةً على هذا المعنى، قال: [وحكى القرطبي في المفهِم عن بعض أهل المعاني قال: إنما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: {لا أحد أحب إليه العذر من الله} عقب قوله: {لا أحد أغير من الله} منبهًا لسعد بن عبادة على أن الصواب خلاف ما ذهب إليه ورادعًا له عن الإقدام على قتل من يجده مع امرأته، فكأنه قال: إذا كان الله مع كونه أشد غيرة منك يحب الإعذار، ولا يؤاخذ إلا بعد الحجة، فكيف تُقدِم أنت على القتل في تلك الحالة؟! ... وقال القرطبي: ذكر المدح مقرونًا بالغيرة والعذر تنبيها لسعد على أن لا يعمل بمقتضى غيرته ولا يعجل، بل يتأنى ويترفق ويتثبت حتى يحصل على وجه الصواب، فينال كمال الثناء والمدح والثواب لإيثاره الحق وقمع نفسه وغلبتها عند هيجانها، وهو نحو قوله: {الشديد من يملك نفسه عند الغضب} وهو حديث صحيح متفق عليه]. اهـ. من كلام ابن حجر.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني