الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الطلب من صاحب الشرع أن يشرع الشرك الأكبر، كفر؟

السؤال

هل الطلب من صاحب الشرع أن يشرع الشرك الأكبر، كبعض الصحابة عند حادثة ذات أنواط، وإسرائيل مع موسى عليه الصلاة والسلام يعتبر جهلًا بأصل الدين، ومحبة للشرك الأكبر؟ ابن القيم قال: إن طلب ذات أنواط شرك أكبر.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإن مجرد الطلب من الجاهلين، كما حصل للصحابة، ولبني اسرائيل لا يحصل به الشرك، ويعتبر ذلك جهلًا بالدين، كما حكى الله تعالى عن قوم موسى في سورة الأعراف: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ {الأعراف:138}.

وهو من الجهل الذي يعذر به، ففي الدرر السنية في الأجوبة النجدية (5/ 120): وفي هذا الحديث من الفوائد: أن التبرك بالأشجار، ونحوها، شرك، وتأله بغير الله؛ ولهذا شبه قولهم: اجعل لنا ذات أنواط، بقول بني إسرائيل: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا}، ومنها: أن حقيقة الشيء لا تتغير بتغير الاسم، ومنها: خطر الشرك، والجهل، فكادوا أن يقعوا في الشرك لما جهلوه. اهـ.

وقال الشيخ الراجحي في دروسه في العقيدة: وفي هذا الباب قصة أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- أنه قال: (غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة حنين، وكنا حديثي عهد بشرك، فمررنا بالمشركين، ولهم سدرة يعكفون عندها، وينوطون بها أسلحتهم ـ يعني: يعلقون بها أسلحتهم ـ يقال لها: ذات أنواط، فقلنا: يا رسول الله، اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط)، أي: اجعل لنا سدرة نتمسح بها، ونتبرك، ونجعل عليها سلاحنا مثلهم، فأنكر ذلك عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (الله أكبر؛ إنها السنن، قلتم ـ والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لموسى: {اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ} [الأعراف:138])، فالنبي صلى الله عليه وسلم جعل مقالة الصحابة: (اجعل لنا ذات أنواط) كمقالة بني إسرائيل لموسى، فالعبرة بالمعنى، ولكن الصحابة لم يفعلوا الشرك، فهم قالوا ذلك عن جهل، واعتذر أبو واقد الليثي بقوله: (وكنا حديثي عهد بشرك)، أي: أسلمنا قريبًا، فلما زجرهم النبي صلى الله عليه وسلم انزجروا وامتنعوا، فلم يفعلوا الشرك، ففيه دليل على أن الإنسان إذا طلب أن يفعل الشرك جاهلًا، ثم منع منه، وبين له فانزجر، وامتنع لا يقع في الشرك، وكذلك بنو إسرائيل لم يقعوا في الشرك؛ لأنهم ما فعلوا، وإنما طلبوا عن جهل، فبين لهم نبي الله موسى عليه السلام، وزجرهم عن ذلك، وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بين لهم أن هذه المقالة مثل مقالة بني إسرائيل، فلم يقعوا في الشرك، كما أن بني إسرائيل أيضًا لم يقعوا في الشرك.
فالمقصود أن التبرك بالشجر، والحجر، وغيره إذا فعله الإنسان، واعتقد أن فيه بركة، فإن كان يعتقد أن البركة ذاتية منه، فهذا شرك أكبر، وإن كان يعتقد أنه سبب، والبركة من الله، وأن الله جعله سببًا للبركة، فهذا شرك أصغر. اهـ.

ولا يعتبر ما حصل منهم بسبب الجهل دليلًا على محبتهم للشرك الأكبر، ونرجو أن ترسل لنا كلام ابن القيم بنصه لنبين لك المراد منه إن شاء الله.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني