الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

جواب شبهة تبديل سيئات التائب حسنات، كيف يستوي مع من لم يذنب

السؤال

التائب من الذنب كمن لا ذنب له ـ يبدل الله سيئاتهم حسنات ـ كيف لا يكون في ذلك ظلم للذين منعوا أنفسهم من المعصية حيث يساوي الله بهم التائبين والله لا يظلم مثقال ذرة، فقط أريد أن أدفع عن نفسي الشبهات.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فاعلم أولا أن العلماء مختلفون في معنى تبديل سيئات التائب حسنات، وكثير منهم ذهب إلى أن معناه أن الله يوفقه لفعل حسنات يمحو بها أثر تلك الذنوب، وعلى هذا القول فلا إشكال أصلا فإن التائب إنما أثيب بحسناته التي عملها كما أثيب من لم يعمل المعصية بطاعاته، فأيهما كان أكثر طاعة كان أعظم أجرا، وقيل معنى التبديل هو أن الله يثبت مكان سيئات التائب حسنات فيكون التبديل تبديلا حقيقيا، وليس في هذا ظلم لأحد فإن الله يضاعف حسنات من لم يعمل المعصية ويثيبه من فضله، ومراتب الناس ودرجاتهم عند الله لا يحيط بها غيره سبحانه، والله تعالى موصوف بكمال العدل منزه عن الظلم، وإذا كان سبحانه يعطي العامل ما يستحقه بحيث لا ينقصه من حسناته ولا يزيد في سيئاته فقد وفاه جزاءه الحق بالقسط؛ كما قال تعالى: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا {طه:112}، فلو فرض أن الله ضاعف حسنات شخص آخر أو تفضل عليه بنوع آخر من الفضل فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولا معقب لحكمه سبحانه، ويرشدك إلى هذا ما ثبت من مضاعفة أجور أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيح من حديث ابن عمر عن النبي صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال:إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ العَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ، فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ، فَعَمِلُوا إِلَى صَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، ثُمَّ أُوتِينَا القُرْآنَ، فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، فَقَالَ: أَهْلُ الكِتَابَيْنِ: أَيْ رَبَّنَا، أَعْطَيْتَ هَؤُلاَءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ، وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلًا؟ قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَهُوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ. وانظر لبيان معنى تبديل سيئات التائب حسنات فتوانا رقم: 206449.

على أن العلماء اختلفوا في أيهما أفضل، هل التائب بعد توبته أفضل أم من لم يواقع الذنب؟ والتحقيق هو أن الأمر يتفاوت بتفاوت السير إلى الله تعالى، فقد يكون سير من تاب إلى الله أعظم وتكون طاعته أكثر ويورثه ذنبه السابق ذلة وانكسارا تبعثه على مزيد من الخير فيوجب له ذلك مزيد التقدم فيكون بذلك أفضل، وقد يسير |إلى الله سيرا عاديا فيسبقه من لم يعمل الذنب، وراجع الفتوى رقم: 249823، والفتوى رقم: 252754. فعليك أن توقن بكمال عدل الله تعالى وأنه لا يظلم أحدا مثقال ذرة، وما كان من تفضيله لبعض الناس ومضاعفته لأعمالهم أو امتنانه على آخرين بتبديل سيئاتهم حسنات فهو فضله يؤتيه من يشاء، وقد يغر الشيطان بعضهم فيغريه بفعل الذنوب بزعم أنه يتوب منها فتبدل سيئاته حسنات، وهذا الوهم الباطل قد فندناه في فتوانا رقم: 269458، فانظرها.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني