الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام في الهبة للأولاد

السؤال

اللهم ارحم موتانا وموتى المسلمين.
نحن ثلاثة إخوة وبنتان، تزوجنا جميعا بفضل الله تعالى قبل وفاة والدي ووالدتي.
والدي كان يملك قطعة أرض 100م ووالدتي كانت لها دور 160م في منزل والدها، تم بناء شقتين فيه، تربينا وعشنا فيها أكثر من 20 عاما.
بعد أن تزوجت الإناث بدأ أبي في ادخار المال لكي نبني عقارا على قطعة الأرض, وعند بناء الأساس والأرضي والدور الأول بعد الأرضي المال لم يكف فقمت بدفع مبلع 25000 جنيه كمساهمة في البناء، وقام أخي الأصغر بدفع مبلغ 60000 جنيه، وتم البناء بفضل الله، وانتقل والداي للعيش في ذلك البيت، وتركا لي ولأخي الأكبر الشقتين لكي نتزوج فيهما، وقام والدي بعد ذلك ببناء شقة أخرى في العقار الجديد لأخي الأصغر من مال أخي لكي يتزوج بها، وقد اتفقنا بعد ذلك جميعا على الآتي:
أولا: يقوم أبي بتمليك المخزن 90م لأخي الأصغر مقابل مساهماته في بناء المنزل.
ثانيا: يقوم أبي بتمليك الدور الأول لأخي الأصغر وتقوم أمي بتمليك الشقتين لي ولأخي الأكبر.
ثالثا: يقوم كل واحد منا ببناء دور له في المنزل الجديد وأولوية البناء للإناث بعد أخي الأصغر الذي قام بالفعل ببناء الدور الثاني من ماله.
وقد دفع أبي ثمن بناء شقة أختي المتعسرة الحال على أن يكون دينا (30000) ترده لنا حال التيسر، وقام أبي قبل وفاته بتمليك الشقق لنا، وقال إن التقسيم تم على سبيل العطية، وأن الشقق التي تزوجنا فيها على سبيل المساعدة كما زوج أخواتنا البنات.
بعد وفاة أبي خشيت أمي من أن تظلم إخوتي بتمليك الشقتين لي ولأخي الأكبر واتفقنا جميعا على أن نتملك الشقق فقط وأن حصة الشقق في الأرض 26م تكون للورثة جميعا للذكر مثل الأنثيين؛ حيث أن الشقة 80م أفضل من الشقة 100م في السعر لأن الحي أفضل.
وتوفيت أمي بعد أبي بسنة، ولم يتسن لنا أن نقوم بكتابة عقود التمليك لأسباب مثل المرض والكسل و...
أختي الكبيرة وأخي الصغير مقرون بالاتفاق الذي كان بيننا وقد بادروا بالاتصال بي لكي أنهي هذه العقود لكي لا يكون هناك إثم على أمي.
فتحدثت إلى أختي الثانية فشعرت من ردها أنها غير راضية وتريد نصيبها في الشقتين وأن الاتفاق باطل، ولكن لم تصرح بالكلام مباشرة، وكانت ردودها مثل (الذي أنتم تريدونه اعملوه, انظر الذي يرضي ربنا واعمله, أنا شقتي لن أكتبها لأحد من عيالي, انظر الذي يريح أباك وأمك واعمله...)
ماذا على أن أفعل بالشقتين لا أريد أن أعصي الله أو أظلم أحدا من إخوتي أو يكون هناك ذنب على أبوي أو تكون هناك أي بغضاء أو كراهية بين إخوتي، مع العلم أنا وأخي الأكبر قمنا بتأجير شققنا في منزل والدنا وليس لنا مأوى غير الشقتين، وأيضا قد قمت بدفع مبلغ 43000 في تأسيس الشقة قبل الزواج لأنها كانت معدمة.
وجزاكم الله عنا خير الجزاء.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننبه أولا إلى أن السؤل لا يخلو من غموض وتشعب، ولذا ننصح بمشافهة أهل العلم فيه بشكل مباشر نظرا لما يحتوي عليه من تفاصيل دقيقة.

وسنقتصر هنا على ما يظهر أنه هو محل استشكال السائل، وهو مسألة الشقتين اللتين وهبتهما الأم له ولأخيه الأكبر، فنقول:

إذا كانت الأم قد اختصتكما بهبة الشقتين دون باقي الإخوة لغير مبرر شرعي فإن ذلك لا يجوز، وكان عليها أن ترد تلك الهبة أو تعطي باقي الأبناء مثلها، لما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبشير بن سعد لما نحل ابنه النعمان نحلاً وأتى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على ذلك، فقال له: يَا بَشِيرُ؛ أَلَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أَكُلَّهُمْ وَهَبْتَ لَهُ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ لاَ، قَالَ: فَلاَ تُشْهِدْنِي إِذًا، فَإِنِّي لاَ أَشْهَدُ عَلَى جَوْرٍ. واللفظ لمسلم.
وفي رواية لهما أنه قال له أيضا: فأرجعه. وفي رواية لمسلم: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم، فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ.
لكن الأم إذا ماتت قبل أن ترد الهبة ـ والحال أنها هبة صحيحة حيزت في حياتها ـ فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى مضيها بالموت قبل تعديلها، قال ابن قدامة في المغني: إذا فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية ثم مات قبل أن يسترده ثبت ذلك للموهوب له ولزم وليس لبقية الورثة الرجوع، هذا المنصوص عن أحمد في رواية محمد بن الحكم والميموني واختاره الخلال وصاحبه أبو بكر، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أهل العلم وهو الذي ذكره الخرقي. اهـ

وذهب بعضهم إلى أنه يجب على المفَّضل رد ما فضل به وإن مات الوالد قبل التعديل.

وفي كل الأحوال ينبغي للأبناء ـ على فرض عدم رد الهبة من الأم في حياتها ـ أن يعدلوا فيها لرفع الظلم عن بقية إخوانهم، وذلك من البر بالأم بعد موتها.

علما بأن قولك: "بعد وفاة أبي خشيت أمي من أن تظلم إخوتي بتمليك الشقتين لي ولأخي الأكبر واتفقنا جميعا على أن نتملك الشقق فقط .." إذا كان المقصود به أن الأم قامت برد الهبة في حياتها فالأمر واضح، وتكون تلك الهبة (الشقتان) مثل باقي التركة تقسم على الورثة كل حسب نصيبه، ولا يؤثر في ذلك عدم كتابة الأمر وتوثيقه.

أما قولك: "قد قمت بدفع مبلغ 43000 في تأسيس الشقة قبل الزواج لأنها كانت معدمة" فجوابه أنك إن كنت دفعت ذلك المال على سبيل الهبة والتبرع لأمك، فإنه يصير كسائر أموال التركة، ولا تختص أنت منه بشيء، وإن كنت غير متبرع بما دفعت ـ كما هو الظاهر ـ فلك الرجوع على الورثة بما دفعت في الشقة، وهذا على فرض أن الشقة ستعود للورثة وتقسم بينهم على نحو ما تقدم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني