الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

طلاق الغضبان واقع ولو اشتد غضبه، ما لم يزل عقله بالكلية

السؤال

حصل أن طلقت زوجتي 3 مرات كالتالي:
‌1- في (31/12/2009م) حصل خلاف كبير بين زوجتي وبين أمي، وكنا وقتها نسكن مؤقتًا عند أمي، واشتد الخلاف على أمور كثيرة؛ منها: ذهابها لزيارة أمها، وعدم الاعتناء بالمنزل، وأمور أخرى، حتى حصل أن تدخل الجيران لحل النزاع، فعقدنا جلسة اشتد غضبي فيها؛ لرفع صوت زوجتي على أمي بوجود جار لنا مع زوجته -صديق لوالدها المتوفى، ولوالدي، وزوجته صديقة لأمي، وأمها- ووجود زوج أختي الذي يكبرني في العمر بأربع سنوات تقريبًا، وبعد اشتداد الكلام، وارتفاع الأصوات تلفظت بطلاق زوجتي، بأن قلت لها: "أنت طالق طالق طالق"، ولم أكن أعي ما أقوله لاشتداد الغضب آنذاك -وبداخلي -والله شهيد- أنني لا أريد طلاقها، ولم أكن أنوي ذلك أبدًا، وإنما لإسكاتها لارتفاع صوتها، ونهيها عن السباب، والشتائم، وتكرر قولي لها: "أنت طالق طالق طالق" مرة أخرى، وأمرتها أن تخرج من البيت، وتذهب لأهلها، فاتصلت بأخيها الذي أتى وأخذها مع الأولاد، وبعد فترة وتدخل الكثير من الأصدقاء عدنا لحياتنا الزوجية في بيت جديد خارج منزل أمي، وقد أفتانا الكثير بأن الطلاق لا يقع لاشتداد الغضب، ولأني طلقتها في طهر كنت قد جامعتها فيه.
2- ‌بعد فترة من الزمن، وفي (27/3/2011م) حصل خلاف آخر بيني وبينها، وهذه المرّة لم تكن أمي معنا، وإنما بسبب غيرتها، وشكّها بوجود علاقة بيني وبين ابنة صديق لنا، كان أبوها قد أوصاني على تفقّد صفحتها على الفيسبوك؛ لأنه لا يعرف العمل على الحاسب الآلي، والإنترنت، وقد صادف أن ابنتي الوسطى كانت تقلب في صور قديمة لنا، وقد رأت صورة لتلك الفتاة عندما كانت طفلة، وقد كنا جيران سابقًا لصديقي، وابنته قد تربت على أيدينا أنا وزوجتي، وسألت والدتها -أي زوجتي- من تكون هذه البنت الصغيرة؟ فأجابتها بطريقة استفزازية، وأمام أبنائي الآخرين أن: "اسألي أباكِ؟ هذه صاحبته" وهنا وبدون وعيٍ منّي، وللمرة الثانية أتلفظ بالطلاق بأن قلت: "أنت طالق" ولم أعِ نفسي إلا بعد هدوء غضبي بعد ساعات، وراجعتها بعد عدّة أيام لنفس الأسباب السابقة -شدّة الغضب، وطهر جامعتها فيه-.
3- منذ أيام (في 15/5/2015م) حصل بيننا خلاف، وقد كنّا -ولحل خلافاتنا على زيارات الأهل- قد اتفقنا أن تزور أمها يوم الاثنين، وتقضي يوم الجمعة عندها لتجمع أخواتها هناك، وأن أذهب أنا عند أهلي، بشرط موافقتي، إلا في حال قررت أن تكون الجمعة عند أهلي، وأصبحت تذهب يوميًّا، أو يومًا بعد يوم عند أمها؛ لأنها الآن تسكن في شقة بجوارنا، وهي ترسل لها الغداء أغلب الأيام، وتعتني بها حين مرضها، والله يشهد أنني لا أكره أمها، ولكن بسبب كثرة الزيارات، والتجمعات النسائية التي لا أحبذها، أحاول منعها من هذه الزيارات، وقد حصل أن كنا نتغدى عند أهلي، وكانت زوجتي معنا أنا والأولاد، ثم ذهبت للمنزل برفقة ابنتي الوسطى بحجة الدراسة قرب المغرب، وبقيت أنا والأطفال عند أبي وأمي -أبي عمره يقرب من الثمانين عامًا، أو يزيد، ووالدتي عمرها يقرب من السبعين، أو يزيد- وقد قررنا الذهاب للسوق بعد العشاء للترفيه عن الأطفال، علمًا أن ابن أخي المهاجر في ألمانيا، وعمره الآن 7 سنوات يسكن عند أهلي، ووالدته ظلّت في سوريا لحين لمّ الشمل لعائلة أخي في ألمانيا، وأهلي وهو بتأشيرة زيارة، واتصلت بي زوجتي وطلبت أن أوصلها لمنزل أختها لوجود أمها هناك، فاعتذرت من أبي، وأمي، واستأذنتهم لأوصلها وأعود، فردوا بأن أذهب وأعود لهم في السوق، فسيذهبون بسيارة أجرة، ونلتقي هناك، وعندها اشتعلت غضبًا من الداخل، ولكني لم أظهر ذلك، وذهبت لأوصل زوجتي وأنا أفكر أنه يجب علّي أن أتكلم معها بهدوء أن تقلل من تلك الزيارات، خصوصًا في حال عدم وجودي، ووجود زوج أختها هناك -من باب الغيرة-، وعندما صعدت للسيارة مع ابنتي بدأت بالتحدث معها بأن لا تكثر من تلك الزيارات، وخصوصًا حال عدم وجودي معهم، وبسؤالهاعن سبب تغيير رأيها لأنها ذهبت لتدرس بسبب امتحان الجامعة، فاشتد الحديث بيننا، وأنني لا أحب أهلها، وأحاول منعها من ذلك، وازداد إلى أن بدأنا بالسباب، والشتم إلى أن وصلنا باب منزل أختها كنت قد تلفظت بكلمات نابية، وعندما نزلت من السيارة أغلقت الباب بقوة؛ مما استفزني بأن أناديها، وأقول لها: "طالق، هذه الثالثة، لا تعودي للمنزل".
وعدت وأنا كلّي ندم على ما حصل، مع العلم أن نفس الأسباب السابقة -الغضب الشديد، والجماع بعد طهر- موجودة في هذه الحالة الثالثة)!
فما الحكم الشرعي في ذلك؟ هل لا زال بإمكاني إرجاعها أم تعتبر مطلقة مني طلاقًا ثلاثًا (بينونة كبرى)؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالمفتى به عندنا: أن الطلاق في الحيض، أو في طهر حصل فيه جماع واقع رغم بدعيته، وأنّ طلاق الغضبان واقع ولو اشتد غضبه، ما لم يزل عقله بالكلية، لكنّ بعض أهل العلم -كشيخ الإسلام ابن تيمية، ومن وافقه- يرون عدم نفوذ الطلاق البدعي، كالطلاق في طهر حصل فيه جماع، وعدم نفوذ طلاق الغضبان إذا اشتد غضبه، والمسائل التي اختلف فيها أهل العلم لا حرج في العمل فيها بقول من يثق به من العلماء، ما دام المستفتي مطمئنًّا إلى صحة قوله، وليس متبعًا لهواه، أو متلقطًا للرخص، فالذي ننصحك به أن تعرض مسألتك على من تمكنك مشافهته من أهل العلم الموثوق بعلمهم، ودينهم، وتعمل بقولهم.
وللفائدة راجع الفتوى رقم: 11566، والفتوى رقم: 5584.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني