الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من ترجح لديه حكم في مسألة بعد أن عمل فيها بحكم سابق مغاير له

السؤال

رجل طلق زوجته مرتين في حيض لم يدرِ عنه، ومرة في طهر جامعها فيه، وكان عنده أن الطلاق في الحيض لا يقع، وقبل أيام قرأ في موقعكم بأنه يقع، وعند البحث ترجح عنده وقوع الطلاق في الحيض، فما حكم زوجته الآن؟ وهل بانت منه؟.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننبه ـ ابتداء ـ إلى أن أكثر أهل العلم على أن الطلاق في الحيض أو في الطهر الذي حصل فيه مسيس واقع مع إثم فاعله، وبه يقول الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب المتبوعة، خلافا لشيخ الإسلام ابن تيمية القائل بعدم وقوعه، ومعه جماعة من أهل العلم، ثم نقول جوابا عن سؤالك: إن كان الشخص المذكور من أهل الترجيح والنظر في الأدلة، وكان قد ترجح عنده في السابق عدم وقوع الطلاق في الحيض والطهر الذي حصل فيه جماع، فعمل على ذلك ولم يمض الطلاق، ثم ترجح عنده وقوع الطلاق في الحيض وفي الطهر الذي حصل فيه جماع، فإنه يعمل بما ترجح عنده أخيرا فيما يستقبل، ولكنه لا ينقض ترجيحه واجتهاده السابق، إلا إذا كان تحول عن ترجيحه الأول قبل أن يمضيه ويعمل به، فإنه حينئذ يعمل بترجيحه الثاني، يقول الكاساني في بدائع الصنائع: ولو أن فقيها قال لامرأته: أنت طالق ألبتة, ومن رأيه أنه بائن, فأمضى رأيه فيما بينه وبين امرأته, وعزم على أنها قد حرمت عليه, ثم تحول رأيه إلى أنها تطليقة واحدة يملك الرجعة، فإنه يعمل برأيه الأول في حق هذه المرأة, وتحرم عليه, وإنما يعمل برأيه الثاني في المستقبل, في حقها وفي حق غيرها، لأن الأول رأي أمضاه بالاجتهاد, وما أمضي بالاجتهاد، لا ينقض باجتهاد مثله, وكذلك لو كان رأيه أنها واحدة, يملك الرجعة, فعزم على أنها منكوحة, ثم تحول رأيه إلى أنه بائن, فإنه يعمل برأيه الأول, ولا تحرم عليه، لما قلنا، ولو لم يكن عزم على الحرمة, في الفصل الأول حتى تحول رأيه إلى الحل, لا تحرم عليه, وكذا في الفصل الثاني لو لم يكن عزم على الحل, حتى تحول رأيه إلى الحرمة, تحرم عليه، لأن نفس الاجتهاد محل النقض, ما لم يتصل به الإمضاء, واتصال الإمضاء بمنزلة اتصال القضاء, واتصال القضاء يمنع من النقض, فكذا اتصال الإمضاء. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: إن كانت فتياه الأولى عن اجتهاد، ثم تغير اجتهاده، فلا يلزم المستفتي نقض ما عمل، لأن الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد، والفتيا في هذا نظير القضاء، لما ورد أن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أعطى الإخوة لأم الثلث، وحرم الإخوة الأشقاء، ثم وقعت واقعة أخرى فأراد أن يحكم بمثل ذلك، فقال له بعض الأشقاء: هب أن أبانا كان حمارا، أليست أمنا واحدة؟ فشرك بينهم في الثلث، فقيل له في نقض الأولى فقال: تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي، واستثنى بعض الفقهاء من الشافعية وبعض الحنابلة النكاح، فرأوا أنه لابد أن يفارقها. اهـ.

وفي الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي: وَإِنْ كَانَ رُجُوعُ الْمُفْتِي عَنْ قَوْلِهِ الْأَوَّلِ مِنْ جِهَةِ اجْتِهَادٍ هُوَ أَقْوَى أَوْ قِيَاسٍ هُوَ أَوْلَى لَمْ يَنْقُضِ الْعَمَلَ الْمُتَقَدِّمَ, لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ. اهـ.

وعلى هذا، فلا يلزم الشخص المذكور الطلاق في الحيض أو في الطهر الذي وقع فيه جماع، إن كان قد عمل باجتهاده الأول قبل أن يتحول عنه .

أما إن لم يكن من أهل الاجتهاد والنظر في الأدلة ففرضه أن يسأل أهل العلم فيما أشكل عليه من أمور دينه، ويعمل بقولهم، لقول الله عز وجل: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ {النحل:43}.

فإذا أفتاه من يثق في علمه وورعه بوقوع الطلاق في الحيض عمل به، وإذا أفتاه بغير وقوعه عمل به أيضا، وإذا كان قد قلد من قال بعدم وقوع الطلاق في الحيض، وأراد أن يرجع عن تقليده له ويعمل بالمذهب الآخر ففي صحة ذلك خلاف يراجع في الفتويين رقم: 186799، ورقم: 186941.

وننصح هذا الأخ بمراجعة المحاكم الشرعية في بلده، لأن هذه المسائل مما تختص بها المحكمة وحكم القاضي فيها يرفع الخلاف.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني