الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من أخذ بقول من يفتي بجواز استعمال العطور الكحولية

السؤال

قرأت هذا السؤال ونسخته لكم هنا، والذي فهمته أنه يجوز التطيب بالعطورات واستخدام المستحضرات التي تحتوي على كحول طالما كثيرها لا يسكر.
السؤال: أحسن الله إليكم صاحب الفضيلة، وهذا سؤال يقول فيه صاحبه: ما حكم القول الراجح في حكم العطور التي تحتوي على نسبة من الكحول؟ وما حكم استخدامها؟.
الإجابة: آخر القول والبحث فيها ما انتهت إليه اللجنة الدائمة في حياة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أنّ هذه العطورات إن كانت تسكر إذا شربت يتخذها الفسقة يسكرون بها فإن هذا حرام؛ لأنها خمر, أما إذا كانت لا تسكر فالأصل في الطيب أنه مباح, يجوز التطيب به و... هذا ما توصلوا إليه صدرت فيه الفتاوى, إن كان كثيرها يسكر فهي حرام, قليلها وكثيرها؛ لقوله صلى الله عليه و سلم {ما أسكر كثيره فقليله حرام} وما كان كثيره لا يسكر فإن هذا لا بأس به وهي الأصل فيها الحل والإباحة انتهى.
سؤالي: هل فهمي صحيح؟ ومن المعلوم أن هذه العطور والمستحضرات مهما كثر شربها لم ولن تسكر بل على العكس قد تكون سامه ومميته باستثناء الكولونيا، لكن لا أعتقد أحدا يستخدمها الآن، وقد تكون شبه معدومة، وأيضا جزء من كلام ابن عثيمين في مسألة المستحضرات الكحولية نسخته لكم للقراءة فقط لا غير: (ولكنني لا أُحرّمها على عباد الله لأنه ليس عندي شيء أستدلّ به على التحريم، والإنسان يجب أن لا يتعدى ما يقتضيه الشرع حسب اجتهاده ونظره؛ لأنّ الله يقول: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلالٌ وهذا حرامٌ ؛لتفتروا على الله الكذب) فكما أنّه لا يجوز أنْ نُحلّلَ ما حرّم الله، فلا يجوز أيضاً أنْ نُحرّم ما أحلّ الله) اهـ
[ابن عثيمين: شريط (نصيحة للشباب) الوجه الثاني] انتهى. والله عز وجل أمرنا عند الاختلاف في حكم شيء ما أن نرده إلى الله ورسوله دون اعتبار للأقل أو الأكثر، والمتأمل في الأدلة يرى طهارة الخمر، ومن المعلوم أيضا أن هذه المستحضرات لا نستخدمها إلا لحاجتنا لها، وأن عموم البلوى بشيء ما له اعتبار في الشرع مثل انتشار هذه المستحضرات عمت به البلوى ولا أعتقد أن ديننا المبني على اليسر والسهولة ودفع الحرج يحرم علينا هذه الأشياء التي انتشرت، خصوصا أنه ليس هناك دليل واضح وصريح على تحريمها، والتي أصبح من الصعب الاحتراز منها، وأن الاحتراز منها يوقع في حرج عظيم! فرطوبات فرج المرأة على سبيل المثال رجح العلماء طهارتها أي لا يجب الاستنجاء منها؛ لأنها كثيرة النزول فلو اعتبروها نجسة لأوقعوا نساء المسلمين في الحرج فما بالكم بهذه المستحضرات التي تحيط بنا، والقاصي والداني يستخدمها ورغما عنا يصيبنا شيء منها، ومن اعتبرها نجسة وقع في حرج، وهو طيلة اليوم يغسل ما أصابه منها!! وأيضا أعلم أن ابن عثيمين ممن يقدمون الدليل فوق قول كل قائل فهو ثقة بعد الله، وأعلم أن قول العالم ليس حجة على غيره، ولكن اطمأنت نفسي للقائلين بالطهارة مع أنني في بداية الأمر أخذت بقول الجمهور وهو النجاسة خروجا من الخلاف، لكني شعرت بحرج، وأيضا بعد بحثي اطمأنت نفسي للقول الآخر، وكذلك حتى لو كان هذا القول مرجوح وليس براجح فأنا أعلم أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا ينكرون على الناس الذين يعملون بالقول المفضول، فلماذا أرى بعض العلماء والذي التمسته من خلال فتواهم في هذه المسألة ينكرون على من يأخذ بقول الطهارة! وكأن من أخذ بهذا القول اقترف ذنبا عظيما! فهو قول معتبر له أدلته وعلماؤه الثقات الذين أفتوا به، وقرأت أن الخروج من خلاف العلماء مستحب، فمن لم يستطيع الخروج من خلافهم فلا تثريب عليه، وأخيرا أتمنى منكم الإجابة على سؤالي الموضح أعلاه حول فهمي لإجابة السؤال.
أعتذر عن الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالخمر مختلف في نجاستها، والجماهير من أهل العلم على أنها نجسة العين، وهذا الخلاف سائغ، فلا تثريب على من بدا له القول بالطهارة، أو قلد من يفتي به من العلماء الثقات، والشيخ ابن عثيمين من أفاضل العلماء فلا حرج على من قلده في هذه المسألة أو غيرها، وانظر لبيان ما يجب على العامي عند اختلاف العلماء فتوانا رقم: 169801.

وأما ما ذكرته من صعوبة توقيها ونحو ذلك فكلام مبالغ فيه، فإنه لا يشق توقي هذه العطور المشتملة على الكحول واستعمال بدائلها الخالية منها على من تحرى ذلك، وإلحاق هذه المسألة برطوبات الفرج بجامع مشقة الاحتراز فيه نظر لا يخفى، فإن القائل بالنجاسة يقول إن الدليل قام عنده على نجاستها وهو قوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ {المائدة:90}، وهذا بخلاف رطوبات الفرج فإنه مع عموم البلوى بها لم يرد ما يفيد نجاستها، ومن ثم استصحبنا الأصل وهو الطهارة، وعلى كل حال فما دمت مطمئنة للقول بطهارة الخمر مريدة لتقليد من يفتي بهذا القول فلا تثريب عليك إن شاء الله، وأما الذي نفتي به فهو نجاستها كقول الجماهير وهو أحوط الأقوال وأبرؤها للذمة، وانظر الفتوى رقم: 112455، وأما الكلام المذكور في أعلى السؤال فهو واضح، واعلمي أن اختلاط الكحول بالمائعات الأخرى على القول بنجاسته يفضي إلى تنجيسها إلا أن يستهلك في تلك المائعات فلا يظهر له فيها أثر فيحكم بطهارة هذا المائع على القول بأن المائعات لا تنجس إلا بالتغير، وانظري الفتوى رقم: 244378.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني