الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأمر بذبح إسماعيل رؤيا من الله تعالى

السؤال

كيف نرد على الذين يقولون إن الأمر بذبح إسماعيل عليه السلام عن طريق الرؤيا إنما جاء من الشيطان لأن الله لا يأمر بالفحشاء والمنكر؟ شكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فإن هذا القول أعني القول بأن الأمر بذبح إسماعيل عليه السلام إنما جاء من الشيطان قول باطل ولا أساس له من الصحة، بل هو قول ساقط لا يجوز التلفظ به فضلاً عن تصديقه، ويظهر بطلان هذا القول من وجوه عدة منها: الأول أنه كيف يعقل أن يذبح إبراهيم عليه السلام برؤيا من الشيطان تأمره بذبح أبنه، فيقدم على ذلك بناء على رؤيا شيطاينة، فإن هذا لا يمكن أن يفعله أحد من عامة الناس، فضلاً عن أن يكون إمام الحنفاء عليه السلام، ومثل هذا يقال في إسماعيل عليه السلام الذي رضي بذبحه.
الثاني: أن سلف هذه الأمة قد استدلوا بهذه القصة على أن رؤيا الأنبياء وحي، فقد روى البخاري تعليقاً عن عبيد بن عمير رحمه الله أنه قال : رؤيا الأنبياء وحي، ثم قرأ: إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ [الصافات:102].
وقد روى هذا الأثر دون الآية الحاكم في المستدرك والطبراني في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما وإسناده حسن.
الثالث: وهو الأهم أن الله تبارك وتعالى قد أثنى على إبراهيم عليه السلام بمسارعته في الاستجابة لأمر ربه، وكذا إسماعيل عليه السلام لصبره على هذا البلاء، فقال سبحانه:وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين [الصافات:104- 105]، فإذا كان الآمر هو الشيطان فكيف يثني عليه في تصديقها.
الرابع: قال ابن كثير -في تفسيره- في قوله تعالى: إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ [الصافات:106].: أي الاختبار الواضح الجلي، حيث أمر بذبح ولده فسارع إلى ذلك مستسلماً لأمر الله تعالى منقاداً لطاعته، ولهذا قال تعالى : )وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى [النجم:37]، هذا فيما يتعلق بأمر الرؤيا، وأما استدلالهم بكونه تعالى لا يأمر بالفحشاء والمنكر، فهو قول حق أريد به باطل، وذلك لأن الله تعالى يحكم ويشرع ما يشاء، فلا معقب لحكمه، ولا راد لقضائه، كما قال سبحانه: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد:41]، هذا من وجه، ومن وجه آخر فإن الله تعالى قد جعل من تمام توبة بني إسرائيل أن يقتل أحدهم نفسه كما قال تعالى:وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ [البقرة:54]، فهل يقال إن الله تعالى أمر بالفحشاء والمنكر.
فالحق الذي لا مرية فيه أن الأمر بذبح إسماعيل عليه السلام كان برؤيا من الله عز وجل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني