الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير قوله تعالى: واستعينوا بالصبر والصلاة

السؤال

أنا في هم وكرب شديد لا يعلمه إلا الواحد القهار علام الغيوب عز وجل، وأحببت أن أستفسر عن قوله تعالى: (واستعينوا بالصبر والصلاة) هل المقصود بالصلاة الفرائض أم النوافل؟ وكيفية الاستعانة بها على قضاء الحاجات وتنفيس الكربات؟ وهل صلاة الحاجه لها وقت معين أم أصليها في أي وقت حتى وإن كان وقت نهي؟.
جزيتم خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يفرج همك، ويكشف كربك، إنه سبحانه وتعالى على كل شيء قدير.

هذا، ويحتمل أن تكون (الصلاة) المذكورة في الآية هي الفريضة والنافلة كليهما؛ فإن لفظها عامٌ، فيشملهما، وهو ظاهر صنيع المفسرين، قال العلامة الشنقيطي في تفسيره (أضواء البيان): قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) الِاسْتِعَانَةُ بِالصَّبْرِ عَلَى أُمُورِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَا إِشْكَالَ فِيهَا، وَأَمَّا نَتِيجَةُ الِاسْتِعَانَةِ بِالصَّلَاةِ، فَقَدْ أَشَارَ لَهَا تَعَالَى فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ، فَذَكَرَ أَنَّ مِنْ نَتَائِجِ الِاسْتِعَانَةِ بِهَا النَّهْيَ عَمَّا لَا يَلِيقُ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)، وَأَنَّهَا تَجْلِبُ الرِّزْقَ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)، وَلِذَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ بَادَرَ إِلَى الصَّلَاةِ. وَإِيضَاحُ ذَلِكَ: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا قَامَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ يُنَاجِيهِ، وَيَتْلُو كِتَابَهُ، هَانَ عَلَيْهِ كُلُّ مَا فِي الدُّنْيَا رَغْبَةً فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ وَرَهْبَةً مِنْهُ، فَيَتَبَاعَدُ عَنْ كُلِّ مَا لَا يُرْضِي اللَّهَ فَيَرْزُقُهُ اللَّهُ وَيَهْدِيهِ. اهـ.

وقال العلامة المراغي شيخ الجامع الأزهر سابقًا في تفسيره: الصبر الحقيقي إنما يكون بتذكر وعد الله بحسن الجزاء لمن صبر عن الشهوات المحرمة التي تميل إليها النفس، وعمل أنواع الطاعات التي تشقّ عليها، والتفكر في أن المصائب بقضاء الله وقدره، فيجب الخضوع له والتسليم لأمره، والاستعانة به تكون باتباع الأوامر واجتناب النواهي بقمع النفس عن شهواتها وحرمانها لذاتها، وتكون بالصلاة لما فيها من النهى عن الفحشاء والمنكر، ولما فيها من مراقبة الله في السر والنجوى، وناهيك بعبادة يناجى فيها العبد ربه في اليوم خمس مرات. اهـ.

ولكن قد يستفاد من فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز مفتي المملكة العربية السعودية سابقًا أن الصلاة المطلوبة هي النافلة خصوصًا.

وتكون الصلاة عونًا على قضاء الحاجات وتفريج الكُرُبات بأن يصليها الإنسان مستوفيًا شروطها وأركانها وواجباتها وسننها وآدابها، خاشعًا خاضعًا مخبتًا منيبًا، طالبًا الانتفاع بها، راجيًا ثوابها، ولا شك أن الإقبال على الله تعالى والفزع إلى الصلاة من أعظم أسباب ذهاب الهموم والغموم، كما كان يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ، صَلَّى» رواه أبو داود، وحسنه الألباني. وكانت الصلاة راحة النبي صلى الله عليه وسلم من الغموم والهموم والكروب، وكانت قرة عينه من الدنيا؛ فقد روى أبو داود في سننه عن بعض الصحابة أنه قال: لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ، فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «يَا بِلَالُ أَقِمِ الصَّلَاةَ أَرِحْنَا بِهَا»! وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُبِّبَ إِلَيَّ النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلَاةِ» رواه النسائي، وصححه الألباني.

هذا، وصلاة الحاجة جائزة في كل وقت، سوى أوقات النهي أو الكراهة، كما بيناه في الفتوى رقم: 34089.
هذا، ونوصيك بدعاء جليل كان السلف يدعون به ويسمونه دعاء الكرب، وقد جاء في حديث رواه مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْكَرْبِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَرَبُّ الْأَرْضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ». ولمزيد فائدة انظري الفتاوى ذوات الأرقام الآتية: 3749، 25874، 117997.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني