الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الكذب في الإخبار بمقدار الحفظ بحجة حث النفس على حفظ القرآن

السؤال

أنا طالبة بدأت حفظ القرآن منذ الصغر، أغلب الناس يدرون أني ملتحقة بتحفيظ القرآن، دائما يسألونني كم بقي لك وتختمين، كنت أقول شيء قليل، وبالأصح بقي لي كثير، لكن من أجل أن أحفز نفسي أني أحفظ، ثاني حاجة والدتي تقول عند ختمك ستعطيني مكافأة، ومعلماتي وصديقاتي جميعهم يتنظرن متى أختم، وأنا الآن مجتهدة في الحفظ لأحصل على مكافأة، هل علي ذنب؟!
ثاني سؤال أنا أعاني من عدم الحفظ جربت أكثر من طريقة مجرد ما أسمع الوجه أنساه، فهل تعتبر لي ختمة أم لا؟!

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الهبات والجوائز جائزة إذا كانت للحث على طلب العلم النافع كحفظ القرآن أو غير ذلك... فقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة عن حكم الجوائز التي تعطى تشجيعًا على حفظ القرآن: لا نعلم بذلك بأسًا؛ لأن ذلك وسيلة لتحقيق غاية شرعية نبيلة، والوسائل لها حكم الغايات. وبالله التوفيق اهــ.

وجاء فيها أيضًا: لا بأس بمنح جوائز نقدية لحفز همم الطلاب على حفظ كتاب الله جل وعلا، ويوجه الطلاب إلى إخلاص النية لله لحفظ القرآن، والجوائز تأتي تبعًا، ولا تكون هي المقصود من الحفظ. اهـ

ثم إن تعلم القرآن الكريم عبادة عظيمة، فيجب أن يكون خالصًا لوجه الله، وليس من أجل كسب مكافأة فقط، وقد جاء الوعيد الشديد في ذلك، روى أبو داود في سننه ـ وصححه الألباني ـ أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: من تعلم علمًا مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضًا من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة. يعني ريحها.

ومحل هذا الوعيد إن كان لا يقصد بالتعلم غير الجائزة المادية، وأما إن كان يقصد التعلم ابتداء ثم ذكر له تحفيز مادي فشجعه ذلك على الجد والمثابرة، فلا يدخل في هذا الوعيد.

قال أبو الحسن المباركفوري: أي لا يتعلمه لغرض من الأغراض إلا ليصيب به شيئاً من متمتعات الدنيا، وفيه دلالة على أن الوعيد المذكور لمن لا يقصد بالعلم إلا الدنيا، وأما من طلب بعلمه رضا المولى ومع ذلك له ميل ما إلى عرض الدنيا فخارج عن هذا الوعيد، فابتغاء وجه الله يأبى إلا أن يكون متبوعاً ويكون العرض تابعاً. اهـ من مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 1 / 326.

وقال القاري: قال الطيبي: فيه أن من تعلم لرضا الله تعالى مع إصابة العرض الدنيوي لا يدخل تحت الوعيد؛ لأن ابتغاء وجه الله تعالى يأبى إلا أن يكون متبوعاً، ويكون العرض تابعاً اهـ.... مرقاة المفاتيح 1 / 439، 440 بتصرف.

وبهذا تعلمين أنه لا حرج في حفظ القرآن وتعلم العلوم الشريعة إذا كانت النية خالصة لوجه الله تعالى كسائر الطاعات، لا لأجل الدنيا أو الوظيفة أو المدح والثناء والجاه أو المسابقات.. وأما ما يحصل بسببها من منافع دنيوية فلا بأس بها، طالما أنها لم تكن هي الحامل على طلبها، فالحال هنا قريبة من حال من يصلي ويصوم وهو يعلم الفوائد الصحية المترتبة على هذه العبادات.

فالحكم إذن للباعث الأصلي على طلب العلم، أهو ابتغاء وجه الله، وما يحصل بعد ذلك من الدنيا يكون تابعا وفرعا، أم الباعث طلب الدنيا وزينتها، وإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى.
هذا وننبه إلى أنك قد أخطأت في قولك: "كنت أقول شيئا قليلا وبالأصح بقي لي كثير لكن من أجل أحفز نفسي" فإن الكذب على الناس لتحفيز النفس لا يجوز ولا يليق بالمؤمن أن يكون كذاباً، ففي الموطأ أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أيكون المؤمن جباناً؟ فقال: "نعم". فقيل له أ يكون المؤمن بخيلا؟ً فقال: "نعم". فقيل له: أيكون المؤمن كذاباً؟ فقال:" لا".
وفي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً"..

ونكتفي بجواب سؤالك الأول، ونرحب بسؤالك الثاني في رسالة أخرى، التزاما بنظام الموقع من أن على السائل الاكتفاء بكتابة سؤال واحد فقط، وأن السؤال المتضمن عدة أسئلة، يجاب السائل على الأول منها فحسب.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني