الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الاختلاف في تصحيح حديث لا يدل على أن الوحي غير محفوظ

السؤال

سمعت شيخًا ثقة متخصصًا في علم الحديث يقول: لا يلزم لمن يضعف رواية النضح العمل بها، فمنذ ذلك الوقت ولديّ أمر في علم الحديث لم أتوصل للصواب فيه: القرآن الكريم وما ثبت من السنة محفوظان تمامًا، وهما كلام الله سبحانه بلا شك، وعندما يكون هناك عالمان ثقتان ورعان تقيان من أهل الاجتهاد في علم الحديث، فيحسن أحدهما حديثًا، ويري رجحان تحسينه، فيعمل به، ويفتي بالعمل به، ويضعفه الآخر، ويري أيضًا رجحان تضعيفه، فيترك العمل به، والإفتاء به، ليس عن هوى بالطبع، بل لأن اجتهاد كل عالم قاده لذلك، ومعلوم أن الحديث الحسن من أقسام الصحيح، وهو حجة يؤخذ به، ففي حالة كهذه اختلف فيها الحكم على الحديث، فماذا نقول عليه؟ أثابت محفوظ أم ضعيف مردود؟ وما الجواب على تساؤل بداخلي يقول: كيف يتم الاختلاف على حديث من حيث التحسين، أو التضعيف، والسنة في الأصل محفوظة كالقرآن؟ حيث إن الحديث إن كان حسنًا فثابت، وفي هذه الحالة محفوظ، أما إن ضعف فغير ثابت، ومن ثم غير محفوظ، فكيف يجتمع الاثنان؟ فبالاختلاف في الحكم عليه يتم الاختلاف في كونه محفوظًا، ومن كلام الله، أو غير ثابت، ومن ثم ليس محفوظًا، فكيف يختلف في السنة سابقة الحفظ عند الله كالقرآن؟ وعند هذا الاختلاف ماذا نقول عنها (أي عن السنة، والتي هي هنا فيما أقصد الأحاديث المختلف في تحسينها من تضعيفها من عالم لآخر)؟ بارك الله فيكم
مع العلم أنه تساؤل عن يقين، وإيمان بالطبع، فلا يظهر لكم أني أتشكك ـ معاذ الله ـ فأنا -والحمد لله- في باب الأسئلة التي ظاهرها الشبهة لا أهتز، بل أوقن، وأتأكد تمامًا أن لكل سؤال جوابًا عند أهل العلم الثقات - جزاكم الله خيرًا-.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فالشأن في علم الحديث كالشأن في غيره من العلوم، كالفقه مثلًا، فمن كان متأهلًا للنظر في الحديث، فترجح له قول فليقل به، ومن لم يكن متأهلًا للنظر فإنه يقلد من يثق به من أهل العلم، وتبرأ ذمته بذلك، قال العراقي في ألفيته في علوم الحديث:

فاعن به، ولا تخض بالظنِ ولا تقلد غير أهل الفن.

ومن أداه نظره، أو تقليده السائغ إلى أن الحديث ثابت مثلًا فعمل بهذا القول، فهذا حكم الله في حقه، سواء وافق ما في نفس الأمر أم لا، وذمته بريئة بذلك؛ لأنه فعل ما يقدر عليه، والله لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وليس معنى الاختلاف في تصحيح حديث أن الوحي غير محفوظ، بل قد اقتضت حكمة الله تعالى أن يكون من النصوص ما هو قطعي الثبوت، كالقرآن، والحديث المتواتر، ومنها ما هو ظني الثبوت، كما أن من النصوص ما هو قطعي الدلالة، ومنها ما هو ظني الدلالة، والاختلاف في تصحيح الأحاديث من أكبر أسباب وقوع الخلاف بين العلماء، ولذلك حكم جليلة لعل من أهمها: تكثير أجور المجتهدين بما يتجشمونه من النظر، وتتبع الطرق للخلوص لحكم على النص، ثم هم دائرون بعد استفراغ الوسع بين الأجر والأجرين، ومنها التوسيع على العوام، فيقلد كل منهم من يثق بعلمه دون تثريب، أو حرج.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني