الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم من قال "أعاهد الله أني إذا فعلت معصية أشهد أني أكون من الظالمين..

السؤال

إذا قلت: "أعاهد الله -أو: أقسم- أني إذا فعلت معصية معينة أشهد أني أكون من الظالمين أمام الله، والقرآن"، وقد فعلت، فما يكون ذلك؟ وهل أكون كذلك؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فإنك لم توضح لنا مرادك بالظلم؛ فإن الظلم يطلق على المعصية، وعلى الكفر بالله تعالى؛ فقد جاء في فتح الباري لابن رجب (1/ 144): الظلم يختلف: فيه ظلم ينقل عن الملة، كقوله تعالى: {والكافرون هم الظالمون} [البقرة: 254]؛ فإن الظلم وضع الشيء في غير موضعه، وأعظم ذلك: أن يوضع المخلوق في مقام الخالق، ويجعل شريكًا له في الربوبية، وفي الإلهية، سبحانه وتعالى عما يشركون. وأكثر ما يرد في القرآن وعيد الظالمين يراد به الكفار، كقوله تعالى: {ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون} الآيات [إبراهيم: 42]، وقوله: {وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل}.

ويراد بالظلم: ما لا ينقل عن الملة، كقوله تعالى: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} [فاطر: 32]، وقوله: {ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون} [البقرة: 229]. اهـ.

وبناء عليه؛ فإن كنت أردت الشهادة على نفسك بأنك تكون ظالمًا تعني الوقوع في ظلم نفسك بالوقوع في المعصية، فإن هذا إقرار منك بالواقع، وتجب عليك التوبة من الوقوع في الذنب، وحمل نفسك على البعد عنه، وعلى الاستقامة على الطاعة.

وأما إن أردت الظلم الذي هو الشرك: فإن هذا القول قول محرم تجب التوبة منه، والاستغفار، ولا يعتبر يمينًا، ولا يحصل به الكفر؛ فقد جاء في الموطأ: قال مالك في الرجل يقول: "كفر بالله" أو: "أشرك بالله" ثم يحنث: أنه ليس عليه كفارة، وليس بكافر، ولا مشرك حتى يكون قلبه مضمرًا على الشرك والكفر، وليستغفر الله، ولا يعد إلى شيء من ذلك، وبئس ما صنع. اهـ.

وفي رسالة ابن أبي زيد المالكي مع شرحها: ومن قال -والعياذ بالله-: أشركت بالله، أو: هو يهودي، أو نصراني، أو: عابد وثن، ونحو ذلك، إن فعل كذا، ثم فعله، فلا كفارة عليه -أي: في شيء من ذلك-؛ لأن الحلف بغير أسماء الله، أو صفاته لا تنعقد به يمين، ولا يلزمه غير الاستغفار والتوبة. اهـ.

وقال الشيخ زكريا الأنصاري في شرح منهج الطلاب: إن فعلت كذا فأنا يهودي، أو نحوه، كأنا بريء من الإسلام، أو من الله، أو من رسوله، فليس بيمين، ولا يكفر به إن قصد تبعيد نفسه عن الفعل، أو أطلق، كما اقتضاه كلام الأذكار، وليقل: لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويستغفر الله، وإن قصد الرضا بذلك إن فعله، فهو كافر في الحال. اهـ.

وقال الحجاوي: وإن قال: هو يهودي، أو نصراني، أو كافر، أو مجوسي، أو ... إن فعل كذا ... لم يكفر، وفعل محرمًا تلزمه التوبة منه. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني