الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضوابط العمل بمهنة التهريج ووضع الأصباغ على الوجه

السؤال

أنا شخص أشتغل في مجال مسرح الطفل ويتطلب عملي المكياج على الوجه (مهرج) هل ذلك حرام أم ماذا علماً بأني حتى وأنا صائم أعمل؟ وشكراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فبداية ننبه السائل -وفقه الله- إلى أن عمله تحفه محظورات شرعية كثيرة، ونرى أنه لابد أن يتوفر فيه عدة شروط ليكون مباحاً يجوز أخذ الأجرة عليه.
الشرط الأول: أن يكون ضمن دائرة المباحات، لا يتجاوزها إلى المحرمات كالكذب ليضحك من يشاهده، قال صلى الله عليه وسلم: ويل للذي يحدث القوم ثم يكذب ليضحكهم، ويل له وويل له. رواه أحمد.
وقال ابن مسعود : إن الكذب لا يصلح في جد ولا هزل، ولا يعد أحدكم صبيه شيئاً ثم لا ينجزه. انتهى.
وكذلك لا يجوز عيب من لا يستحق أن يعاب؛ كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [الحجرات:11].
ولا يجوز التشبه بالبهائم كالتشبه بأصواتها أو أفعالها ونحو ذلك مثل أن ينبح الإنسان نباح الكلاب، أو ينهق نهيق الحمير.. أو نحو ذلك مما قد يفعله بعض المهرجين لإضحاك الآخرين.. ومما يدل على ذلك أن الله تعالى نهى عن التشبه بالآدميين الذين جنسهم ناقص كالتشبه بالأعراب وبالأعاجم، فكيف بالبهائم فيما هو من خصائصها!! ولهذا شبه الله الإنسان بالكلب والحمار في معرض الذم له، فقال تعالى: فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ [الأعراف:176]. وقال: مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً [الجمعة:5].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وإذا كان التشبه بها إنما كان على وجه الذم من غير أن يقصد المذموم التشبه بها، فالقاصد أن يتشبه بها أولى أن يكون مذموماً. انتهى.
ويؤكد هذا قوله صلى الله عليه وسلم: العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه. رواه البخاري. فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكر هذا المثل إلا ليبين أن الإنسان إذا شابه الكلب كان مذموماً.
وكذلك تحرم السخرية بشيء من الدين، لأن ذلك ردة عن الملة وناقض من نواقض الإسلام، قال الله تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة:65-66].
ويدخل في ذلك الاستهزاء ببعض السنن، ومما انتشر من ذلك، الاستهزاء باللحية أو الحجاب أوتقصير الثوب ونحو ذلك، وكذلك يحرم التشبه بالنساء أو بالكفار، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من تشبه بقوم فهو منهم. رواه أبو داود، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم: المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال. رواه البخاري.
ولا يجوز التكلم بالفحش، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يحب الفحش، أو يبغض الفاحش والمتفحش. رواه أحمد.
الشرط الثاني: يجب أن يقترن بهذا العمل نفع للمشاهدين كفائدة تربوية أو ثقافية أو ترغيب في عمل صالح أو تحذير من عمل غير صالح ونحو ذلك من المقاصد الصحيحة؛ لأن مجرد الإضحاك لهو لا يجوز احترافه وأخذ الأجرة عليه. وقد نص أهل العلم على ذلك.. قال صاحب حاشية الجمل من الشافعية: كمن يكتسب باللهو المباح، فللوالي تعزير الآخذ والدافع، ومن ذلك ما جرت به العادة في عصرنا من اتخاذ من يذكر حكايات مضحكة وأكثرها أكاذيب، فيعزر فاعل ذلك الفعل، ولا يستحق ما يأخذه عليه، ويجب رده إلى دافعه وإن وقعت صورة الاستئجار لأن الاستئجار على ذلك الوجه فاسد. انتهى.
الشرط الثالث: ألا يؤدي عملك إلى تضيع واجب أو فعل محرم، كأن يترتب على ذلك اختلاط الرجال والنساء الذين يحضرون مع أطفالهم إلى المسرح، لأن الواجب حينئذ تفريقهم والإنكار عليهم ومنع ذلك.
الشرط الرابع: ألا يكون ما تقدم به من عمل يعود عليك بالضرر، كأن تقوم بحركات خطيرة قد يترتب عليها كسور أوما شابه ذلك، لقوله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. رواه مالك.
ومن هذا تعلم حكم المكياج الذي تضعه على وجهك، فإن كان يعود بالضرر فلا يجوز، وكذلك لا يجوز إذا كان فيه تشبه بالنساء أو الكفار، ولا يؤثر هذا المكياج على صحة الصيام لأنه ليس طعاما ولا شراباً ولا في معنى الطعام أو الشراب.
واعلم وفقك الله تعالى أن الله قد تكفل برزق عبده ولن يضيع من اتقاه، قال جل وعلا: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:3].
ونسأل الله لنا ولك الهداية والتوفيق.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني