الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

التائب الصادق في توبته قد يسبق من لم يعمل الذنب

السؤال

لنفترض أن الله قد بدل السيئات حسنات، فأين التائبون من ثواب المحسنين الذين قد يضاعف لهم إلى سبعمائة، أو أكثر - هم درجات عند الله -؟ وهل من الممكن تعويض ما ضاع من عمري من غير طاعة، فقد فقدت درجات ومنازل، ولا يمكن الوصول إليها؛ لأن العمر قد نقص؟
إكمالًا للموضوع: حديث الرجلين اللذين أسلما، وكان أحدهما أشد اجتهادًا من الآخر، فسبق الأقل اجتهادًا الأشد اجتهادًا؛ لأنه عاش بعده بسنة، وكان السبق بفارق شاسع، لا أدري كما بين السماء والأرض أم أبعد؟ الخلاصة: إذا كانت السنة تعمل هذا الفارق، فما بالك بخمس، وست سنين ضعن.
أرجو ردًّا شافيًا، وجوابًا كافيًا، إكمالًا للموضوع، لنفترض أنه يوجد شخصان في نفس العمر، وكان أحدهما عاصيًا والآخر محسنًا، ثم تاب العاصي، وأصبح يعمل عمل المحسن قلبًا، وجوارحًا، ثم بعد أن عاشا فترة عمرهما ماتا في نفس الوقت، فهل يستوون؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فاعلم -وفقك الله- أن الله تعالى لا يظلم الناس شيئًا، ولا تضيع عنده مثاقيل الذر من الأعمال، وقد يعمل الشخص قليلًا ويؤجر كثيرًا، كما في الصحيح من حديث البراء ـ رضي الله عنه ـ قال: أتى النبي صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مُقَنَّعٌ بِالحَدِيدِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُقَاتِلُ أَوْ أُسْلِمُ؟ قَالَ: «أَسْلِمْ، ثُمَّ قَاتِلْ»، فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَاتَلَ، فَقُتِلَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا».

وفضل الله لا حد له، فالله سبحانه ذو الفضل العظيم، والتائب الصادق في توبته إذا حصل له من الإخلاص، واليقين، وشدة الاجتهاد، والتشمير في السير إلى الله تعالى قد يسبق من لم يعمل الذنب، كما أوضحناه في الفتوى رقم: 252754.

فمن وجوه السبق: كثرة العمل؛ ولذا قال صلى الله عليه وسلم: خيركم من طال عمره، وحسن عمله. رواه أحمد، والترمذي.

ولكن قصير العمر قد يسبق بحسن العمل، وشدة السعي، والاجتهاد، والمنازل عند الله تتفاضل من وجوه كثيرة، فهون عليك، وشمِّر، واجتهد في سيرك إلى الله تعالى، عالمًا أنه لا تضيع عنده مثاقيل الذر، وسله طول العمر مع حسن العمل، وأخلص له سبحانه، فإن بالإخلاص تنال الدرجات العالية، وتدرك المنازل الرفيعة، ولا يزينن لك الشيطان أن العمر قد ضاع، وأنه لم تبق للطاعة والاجتهاد فائدة، فهذا من تسويله، وتزيينه الذي يريد أن يقعدك به عن الخير، ويصدك عن سبيل فلاحك وسعادتك، والعبد لا يدري أي العمل يقبل منه، فعلى العبد أن يحسن ظنه بربه، ويتوكل عليه، ويجتهد في السير إليه سبحانه، عالمًا أنه مهما تكن من حسنة فإنه تعالى يضاعفها، ويؤت من لدنه أجرًا عظيمًا -وفقنا الله وإياك لما فيه الخير-.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني