الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعدد النيات باب عظيم لاكتساب الأجر والثواب

السؤال

هل تعدد النيات من الكسل؟ وإذا أصبح تعدد النيات نظامًا أسير عليه في كل العبادات، أليس ذلك ذريعة لقلة العبادات كمًّا؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فتعدد النيات باب عظيم لاكتساب الأجر والثواب، ويدل على يقظة قلب العبد، وحرصه على الخير، وليس مدعاة للكسل، ولا ذريعة لقلة العبادة؛ لأنه لا يتنافى مع ما يريد أن يقوم به المرء من أنواع العبادات، ومختلف الطاعات، بل هو محفز عليها إذا ما استحضر المرء ما ينتظره من أجر عن كل نية من النيات المتعددة.

ولعل من المناسب هنا أن ننقل للسائل الكريم كلامًا نفيسًا لأبي حامد الغزالي، يبين فيه أثر كثرة النيات الصالحة على الطاعات، وكيفية تحصيل ذلك، يقول -رحمه الله-: وأما تضاعف الفضل، فبكثرة النيات الحسنة؛ فإن الطاعة الواحدة، يمكن أن ينوي بها خيرات كثيرة، فيكون له بكل نية ثواب؛ إذ كل واحدة منها حسنة، ثم تضاعف كل حسنة عشر أمثالها، كما ورد به الخبر.

ومثاله: القعود في المسجد؛ فإنه طاعة، ويمكن أن ينوي فيه نيات كثيرة، حتى يصير من فضائل أعمال المتقين، ويبلغ به درجات المقربين.

أولها: أن يعتقد أنه بيت الله، وأن داخله زائر الله، فيقصد به زيارة مولاه، رجاء لما وعده به رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: من قعد في المسجد فقد زار الله تعالى، وحق على المزور أن يكرم زائره.

وثانيها: أن ينتظر الصلاة بعد الصلاة، فيكون في جملة انتظاره في الصلاة، وهو معنى قوله تعالى: {ورابطوا}.

وثالثها: الترهب؛ بكف السمع، والبصر، والأعضاء عن الحركات، والترددات؛ فإن الاعتكاف كف، وهو في معنى الصوم، وهو نوع ترهب.

ورابعها: عكوف الهم على الله، ولزوم السر للفكر في الآخرة، ودفع الشواغل الصارفة عنه بالاعتزال إلى المسجد.

وخامسها: التجرد لذكر الله، أو لاستماع ذكره، وللتذكر به، كما روي في الخبر: من غدا إلى المسجد ليذكر الله تعالى، أو يذكر به، كان كالمجاهد في سبيل الله تعالى.

وسادسها: أن يقصد إفادة العلم بأمر بمعروف، ونهي عن منكر؛ إذ المسجد لا يخلو عمن يسيء في صلاته، أو يتعاطى ما لا يحل له، فيأمره بالمعروف، ويرشده إلى الدين، فيكون شريكًا معه في خيره الذي يعلم منه، فتتضاعف خيراته.

وسابعها: أن يستفيد أخًا في الله، فإن ذلك غنيمة، وذخيرة للدار الآخرة، والمسجد معشش أهل الدين المحبين لله، وفي الله.

وثامنها: أن يترك الذنوب حياء من الله تعالى، وحياء من أن يتعاطى في بيت الله ما يقتضي هتك الحرمة.

فهذا طريق تكثير النيات، وقس به سائر الطاعات، والمباحات؛ إذ ما من طاعة إلا وتحتمل نيات كثيرة، وإنما تحضر في قلب العبد المؤمن بقدر جده في طلب الخير، وتشمره له، وتفكره فيه، فبهذا تزكو الأعمال، وتتضاعف الحسنات. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني