الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أرجى الأحاديث وأخوفها

السؤال

أرجو بيان أقوال العلماء في أشد حديث وأرجى حديث في السنة النبوية المطهرة، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد وقفنا على بعض الأحاديث التي وصفت بأنها أشد حديث، من ذلك حديثان وصفهما مجاهد ـ رحمه الله ـ بذلك، كما رواه عنه الإمام سعيد بن منصور في سننه قال: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ ، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ، قَالَ: لاَ يَخْرُجَنَّ مَعَنَا إِلاَّ مُقْوٍ، فَخَرَجَ رَجُلٌ عَلَى بَكْرٍ لَهُ صَعْبٌ فَوُقِصَ بِهِ فَمَاتَ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَقُولُونَ: الشَّهِيدُ، الشَّهِيدُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلاَلاً يُنَادِي فِي النَّاسِ: أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةُ إِلاَّ نَفْسٌ مُؤْمِنَةٌ، وَلاَ يَدْخُلُهَا عَاصٍ. قَالَ مُجَاهِدٌ: مَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا أَشَدَّ مِنْ هَذَا، وَمِنْ حَدِيثِهِ لَقَدْ ضُمَّ سَعْدٌ ضَمَّةً.
وحديث ضم سعد الذي أشار إليه هو ما رواه النسائي عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا الذي تحرك له العرش -ـ عنى سعد بن معاذ ـ وفتحت له أبواب السماء، وشهده سبعون ألفا من الملائكة، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه. وصححه الألباني. ورواه البزار بلفظ: (لقد نزل لموت سعد بن معاذ سبعون ألف ملك، ما وطئوا الأرض قبلها، وقال حين دفن: سبحان الله! لو انفلت أحد من ضغطة القبر لانفلت منها سعد، ولقد ضم ضمة، ثم أفرج عنه).
ومن الأحاديث التي وصفت بأنها أشد حديث ما ذكره ابن هبيرة في الإفصاح عند حديث علي ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقعد، وقعدنا حوله، ومعه مخصرة، فنكس، وجعل ينكت بمخصرته ثم قال: (ما منكم من أحد إلا قد كتب مقعده من النار، ومقعده من الجنة) فقالوا: يا رسول الله؛ أفلا نتكل على كتابنا؟ فقال: (اعملوا، فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة، فسيصير لعمل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء، فسيصير لعلم أهل الشقاء، ثم قرأ: {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى}. قال ابن هبيرة ـ رحمه الله ـ: وقد روي عن أحمد بن حنبل ـ رضي الله عنه ـ أنه لما روي الحديث الذي فيه: (يعمل أحدكم بعمل أهل الجنة ...) قال: هذا أشد الحديث أو أشد الأحاديث بعثًا على العمل، أو كما قال. انتهى.
وأما أرجى حديث فقد وقفنا على بعض الأحاديث التي وصفت بذلك، منها ما رواه مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تَلاَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) الآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي ». وَبَكَى، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ -وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ ـ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ـ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللَّهُ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلاَ نسوؤك. قال النووي ـ رحمه الله ـ: هَذَا الْحَدِيث مُشْتَمِل عَلَى أَنْوَاع مِنْ الْفَوَائِد... وَمِنْهَا: الْبِشَارَة الْعَظِيمَة لِهَذِهِ الْأُمَّة ـ زَادَهَا اللَّه تَعَالَى شَرَفًا ـ بِمَا وَعَدَهَا اللَّه تَعَالَى بِقَوْلِهِ: سَنُرْضِيك فِي أُمَّتك وَلَا نسوؤك، وَهَذَا مِنْ أَرْجَى الْأَحَادِيث لِهَذِهِ الْأُمَّة أَوْ أَرْجَاهَا. انتهى.
ومنها ما رواه مسلم أيضا عَنْ أَبِى مُوسَى قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صلى الله عليه وسلم ـ «إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ دَفَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كُلِّ مُسْلِمٍ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا فَيَقُولُ: هَذَا فَكَاكُكَ مِنَ النَّارِ». وَفِي رِوَايَة: (لَا يَمُوت رَجُل مُسْلِم إِلَّا أَدْخَلَ اللَّه مَكَانه النَّار يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا).
قال النووي ـ رحمه الله ـ: مَعْنَى (فَكَاكك مِنْ النَّار) أَنَّك كُنْت مُعَرَّضًا لِدُخُولِ النَّار، وَهَذَا فَكَاكك؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى قَدَّرَ لَهَا عَدَدًا يَمْلَؤُهَا، فَإِذَا دَخَلَهَا الْكُفَّار بِكُفْرِهِمْ وَذُنُوبهمْ صَارُوا فِي مَعْنَى الْفَكَاك لِلْمُسْلِمِينَ... إلى أن قال: وَقَدْ جَاءَ عَنْ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز وَالشَّافِعِيّ - رَحِمَهُمَا اللَّه - أَنَّهُمَا قَالَا : هَذَا الْحَدِيث أَرْجَى حَدِيث لِلْمُسْلِمِينَ ، وَهُوَ كَمَا قَالَا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّصْرِيح بِفِدَاءِ كُلّ مُسْلِم ، وَتَعْمِيم الْفِدَاء وَلِلَّهِ الْحَمْد. انتهى.
ومنها الحديث القدسي الذي رواه الطبراني في الكبير والحاكم كما رمز له السيوطي في الجامع الصغير، أن الله تبارك وتعالى قال: من علم أني ذو قدرة على مغفرة الذنوب غفرت له ولا أبالي ما لم يشرك بي شيئا. وحسنه الألباني.
قال المناوي في فيض القدير: قالوا: وهذا أرجى حديث في السنة. انتهى.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني